كيف تساعدين أبناءك في اختيار أصدقائهم؟

كيف تساعدين أبناءك في اختيار أصدقائهم؟

هناك معايير إذا وضعتها في الحسبان ستوفر عليها كثيرًا من عبء القلق والخوف.

 

داليا فنيش/ معالجة نفسية وتربوية

"أنا أم لأربعة أطفال، وهم يكبرون تزداد مسؤولياتهم الاجتماعية، ويزداد معها قلقي عليهم أكثر من أي وقت مضى. في كل مرة يفكرون بالذهاب مع أصدقائهم، تتزاحم في ذهني آلاف المخاوف: هل هؤلاء الأصدقاء سيؤثرون فيهم إيجابًا أم قد يقعون في مواقف محرجة؟ هل سيقضون وقتًا مفيدًا أم سيتعرضون لمشكلات سلوكية؟ أراقب تفاصيل حياتهم اليومية بدقة: الأماكن التي يذهبون إليها، الأنشطة التي يقومون بها، وحتى التصرفات الصغيرة التي تصدر عنهم. أشعر بثقل المسؤولية والخوف من أن يواجهوا مواقف لا يستطيعون التعامل معها، كما يقلقني مدى قدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة وسط الضغوط الاجتماعية.

تتابع الأم شرح أسباب قلقها: "هذا الصراع النفسي المستمر يجعل قلبي مثقلًا بالتوتر والقلق، ويؤثر أحيانًا في علاقتي بهم. أدرك أن خوفي عليهم نابع من الحب والرغبة في الحماية، لكني أعلم أيضًا أن الإفراط في هذا القلق قد يضرّهم أكثر ممّا ينفعهم، وأن عليّ تعلّم أساليب أكثر توازنًا في التعامل معهم".

الأم محقة في قلقها وخوفها هذا؛ ولكن هناك معايير عديدة إذا وضعتها في الحسبان ستوفر عليها كثيرًا من عبء القلق والخوف.

 

أهمية الصداقة في نمو الأبناء

تُعدّ الصداقة من العوامل الأساسية في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه الاجتماعي، فهي تجربة حياتية يكتسب من خلالها الطفل قيم التعاون والولاء والمشاركة واحترام الآخر. مع تقدّم الأبناء في العمر واتساع دائرة معارفهم، تبدأ مخاوف الأمهات بالظهور، لاسيّما مع ازدياد تأثير الصداقات في حياتهم اليومية وسلوكهم الدراسي والاجتماعي.

إنّ الصداقات الجيدة تُسهم في بناء شخصية متوازنة، في حين السلبية منها تزرع في الطفل عادات أو سلوكيات سيئة، وهنا تظهر أهمية دور الأم الواعية في توجيه أبنائها نحو بناء علاقات آمنة وصحية، من دون أن تتحول إلى مصدر قيد أو ضغط نفسي.

أهم الشروط لنجاح هذه العملية التربوية:

1.    الحوار المفتوح والمستمر

  • الاستماع للأبناء بصبر واهتمام من دون أحكام مسبقة.
  • السماح لهم بالتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية.
  • التحدث معهم يوميًا عن أصدقائهم وأنشطتهم بطريقة هادئة ومحايدة.

إذ إن الحوار المفتوح يعزز الثقة، ويجعل الأبناء أكثر استعدادًا لمشاركة مشكلاتهم مع الأم والأب، على حدّ سواء.

2.    وضع قواعد واضحة وثابتة

  • تحديد القيم والسلوكيات المقبولة داخل الأسرة وخارجها.
  • وضع حدود واضحة للوقت والأنشطة واستخدام الأجهزة الإلكترونية.
  •  إشراك الأبناء في وضع هذه القواعد ليشعروا بالمسؤولية والانضباط الذاتي.

3.    تعليم مهارات الاختيار واتخاذ القرار

  • مساعدة الأبناء في التمييز بين الصداقات الإيجابية والسلبية.
  • تدريبهم على تحليل المواقف الاجتماعية واتخاذ القرار المناسب.
  • تشجيعهم على التجربة والخطأ في بيئة آمنة مدعومة بالتوجيه.

4.    تعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية

  • مدح المجهودات والسلوكيات الإيجابية أكثر من النتائج.
  • تشجيعهم على تحمّل المسؤولية تدريجيًا في الحياة اليومية.
  • منحهم مساحة للحرية في اتخاذ قرارات بسيطة وتعلّم العواقب.
  • بناء الثقة بالنفس يقلل من التبعية، ويجعلهم أكثر وعيًا في اختيار أصدقائهم.

5. الآثار السلبية للقلق الزائد عند الأم 

القلق شعور فطري عند كل أم، لكنه عندما يتجاوز حدوده الطبيعية يتحول من وسيلة حماية إلى عائق لنمو الأبناء النفسي والاجتماعي. 

 

أبرز هذه الآثار:

1.    ضعف الثقة بالنفس والخوف من اتخاذ القرار.
2.    التبعية الزائدة للأم وعدم القدرة على الاستقلال.
3.    الميل إلى العناد أو التمرد في رد فعل على السيطرة الزائدة.
4.    القلق الدائم والشعور بعدم الأمان.
5.    ضعف المهارات الاجتماعية وصعوبة الاندماج مع الآخرين.
6.    تراجع التحصيل الدراسي بسبب الضغط النفسي والخوف من الفشل.

إن هذه الآثار لا تظهر فجأة، هي تتراكم مع مرور الوقت نتيجة غياب التوازن بين الحماية والحرية. 

 

إدارة قلق الأم وتوترها

كي تتمكّن الأم من حماية أبنائها، بطريقة صحية، من دون أن تنقل إليهم مخاوفها، يمكنها اتباع مجموعة من الخطوات العملية:

1.    ممارسة تقنيات التنفس العميق والهدوء قبل أي نقاش أو توجيه.
2.    تخصيص وقت للراحة والأنشطة الشخصية لتخفيف الضغط النفسي.
3.    التوجيه الإيجابي والحوار أكثر فاعلية من السيطرة والغضب.
4.    تنمية الوعي الذاتي بأن الحب لا يعني الخوف، بل الثقة والإيمان بقدرات الأبناء.

 

في الختام

إنّ تربية الأبناء، في زمنٍ مليء بالتحديات، تتطلب وعيًا متوازنًا بين الخوف الفطري والحب الواعي، فالأم التي تمنح أبناءها الثقة إلى جانب الإرشاد، والحب إلى جانب الحزم، تصنع منهم شخصيات قوية قادرة على الاختيار السليم وتحمّل المسؤولية.ٍ
 

 

مواضيع مرتبطة

 كيف تحوّلين وقت تدريس طفلك من معركة إلى متعة؟

كل يوم، تعيش الأم المشهد نفسه، وكأنه لا ينتهي..!

كيف تعلّمين طفلك النظافة الشخصية ؟

يتطلب تعليم النظافة أساليب تربوية وعلمية تراعي تطور الطفل النفسي والمعرفي

كيف تعالجين صعوبات تأقلم ابنتك المراهقة مع محطيها المدرسي؟

هذه المرحلة تحتاج إلى تفهّم من الأسرة والمدرسة معًا لضمان اندماج التلميذة المراهقة