إذا كنت قد وجدت نفسك تتساءل/ ين يومًا عمّا يشغل شباب اليوم وكيف يفكرون ويعيشون، فأنت لست وحدك. فجيلا الألفية و«زي»، بكل ما يحملانه من وعي وتساؤلات، يعيدان رسم ملامح الحياة اليومية بطرقهما الخاصة. لقد تغيّرت عادات كثيرة، ليس فقط في ما نستهلكه أو نرتديه، بل في ما نؤمن به ونبحث عنه في الحياة!
*العافية أولًا… الرفاه ليس ترفًا بعد اليوم
لم تعد العافية مجرّد صيحة، بل أصبحت جوهرًا للحياة. يهتم شباب اليوم بصحتهم الجسدية والنفسية على حد سواء. من جلسات اليوغا والتأمل، إلى استخدام تطبيقات الصحة الذهنية وكتابة اليوميات، يبدو أن التوازن النفسي أصبح هدفًا رئيسيًا. حتى العلاج النفسي لم يعد من التابوهات، بل يُنظر إليه كخطوة شجاعة نحو الاعتناء بالنفس. وهنا تتغيّر مفاهيم النجاح أيضًا. فلم يعد الإنجاز مرتبطًا بالعمل لساعات طويلة، بل بتحقيق توازن حقيقي بين العمل والحياة الشخصية.
الاستدامة... أسلوب حياة وليست خيارًا جانبيًا
بالنسبة إلى جيل اليوم، العيش المستدام لم يعد مجرد «موضة عابرة»، بل تحوّل إلى التزام شخصي. كثيرون باتوا يختارون ملابس معاد تدويرها، يستبدلون الزجاجات البلاستيكية بأخرى قابلة لإعادة الاستخدام، ويبحثون في مكونات الأطعمة ومستحضرات التجميل بدقة. الاستهلاك أصبح أكثر وعيًا ومسؤولية، ليس فقط تجاه البيئة، بل تجاه الذات أيضًا.
العودة إلى الطبيعة… والحنين إلى البساطة الريفية
في ظل تسارع التكنولوجيا وضجيج المدن، بدأ جيل 2025 يُعيد اكتشاف الجمال في البساطة الريفية. انتشرت ما يُعرف بـ«جمالية مارثا ستيوارت» (Martha Stewart Aesthetic)، وهي أسلوب حياة يركّز على العودة إلى الجذور: زراعة الأعشاب في حديقة المنزل، تربية الدجاج، وتحضير الطعام من مكونات طازجة ومحلية. وفقًا لتقرير لموقع Pinterest، شهد البحث عن هذه الأنشطة ارتفاعًا بنسبة 2.889% في صيف 2025، ما يعكس شغفًا حقيقيًا بنمط عيش أبطأ وأقرب إلى الأرض.
كما تبنّى كثير من الشباب مفهومًا جديدًا يُعرف بـ «الحمّامات الطبيعية» (Nature Bathing)، حيث يقضون أوقاتهم في الغابات أو الريف، بعيدًا من الشاشات، ليستعيدوا صفاء الذهن والتواصل مع الطبيعة. رغم ارتباطهم اليومي بالشاشات، يعرف الشباب جيدًا تأثيرها السلبي. لهذا، لجأ كثيرون إلى ما يُعرف بـ «الديتوكس الرقمي» — تخصيص أيام أو ساعات للابتعاد عن الهاتف ووسائل التواصل، من أجل استعادة التركيز والسلام الداخلي.
الأعمال الحرة بدل الدوام الكامل
يسعى كثيرون إلى بناء مسارهم المهني الخاص حيث لا يكون الراتب هو الهدف الوحيد بل الرضى الذاتي أيضا. جيل اليوم لا يقيس نجاحه بوظيفة مستقرة من التاسعة إلى الخامسة. الحرية، الشغف، والمعنى هي ما يوجّه خياراتهم. من العمل الحر إلى إنشاء مشاريع صغيرة، أو حتى صناعة المحتوى الرقمي، يسعى كثيرون إلى بناء مسارهم المهني الخاص، حيث لا يكون الراتب هو الهدف الوحيد، بل الرضى الذاتي أيضًا.
*«التقليلية» ليست موضة بل أسلوب حياة
العيش ببساطة لم يعد خيارًا شكليًا، بل بات توجهًا حقيقيًا لدى الجيل الجديد. المينيماليّة تحوّلت إلى فلسفة حياة تقوم على فكرة: «أشياء أقل، هدوء أكثر».
سواءً كان الأمر يتعلق بترتيب المساحات، التخلص من الفائض، أو حذف التطبيقات غير المستخدمة، يسعى كثيرون إلى حياة مرتّبة ونظيفة تساعدهم على التركيز والشعور بالهدوء الداخلي.
المثير أن هذا التوجه لا يرتبط بالتوفير أو التقتير، بل بالحكمة. فالشباب اليوم يشترون أقل، لكنهم يشترون الأفضل — منتجات تدوم طويلًا وتخدم هدفًا واضحًا.
إنه تحوّل من الاستهلاك العشوائي إلى العيش عن قصد، حيث لا يكون الامتلاك هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لحياة أكثر صفاءً وراحة.
*التجربة قبل المُلكية
بالنسبة إلى كثير من الشباب، الذكريات أثمن من الماديات. يفضّلون السفر، حضور حفلة موسيقية، أو عشاءً مميزًا مع الأصدقاء على امتلاك هاتف جديد أو حقيبة باهظة. القيمة لديهم ليست في السعر، بل في الأثر الذي تتركه التجربة في النفس.
الطعام الصحي… صار القاعدة
نعم، ما تزال الوجبات السريعة موجودة، لكن الأولوية اليوم للأكل الصحي. التحضير المسبق للوجبات، النظام النباتي أو شبه النباتي، العصائر الطازجة، والمكونات الطبيعية أصبحت جزءًا من روتينهم.
الاستدامة الشعبية… وظهور «الكسل الصحي»
لم تعد الاستدامة مجرّد تصرّف مسؤول، بل باتت أسلوب حياة يومي يعرف اليوم بـ «الاستهلاك المعكوس» (Reverse Consumption)، الذي بدأ في الصين وانتشر بسرعة بين جيل الشباب. مضمونه بسيط: أن تستهلك أقل، وتعيش أكثر، وأن تعيد التفكير بكل شيء تشتريه.
في السياق ذاته، برز ما يُعرف بـ «الكسل الصحي» (Lazy Health)، حيث تُقدَّر الممارسات البسيطة مثل نقع القدمين، أو المشي في الحديقة، أو أخذ قيلولة قصيرة، كوسائل فعالة لتحقيق الراحة النفسية والجسدية من دون عناء أو تكلفة.
الصحة المعزّزة بالتكنولوجيا
الصحة اليوم ليست فقط في الطعام والرياضة، بل في البيانات أيضًا. بات الكثير من الشباب يستخدم تقنيات متقدمة مثل biohacking وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحليل المؤشرات الحيوية الخاصة بهم، من جودة النوم إلى معدل التوتر.
بفضل هذه الأدوات، أصبح في إمكان كل فرد تصميم نظامه الصحي بحسب احتياجاته الدقيقة، بما يشبه الطب الشخصي، ولكن بأسلوب الحياة اليومي.
يبدو أن الجيل الجديد لا يسير خلف ما هو مألوف، بل يعيد تعريف الحياة على طريقته الخاصة. من العافية والاستدامة، إلى التكنولوجيا والتجارب، هو جيل لا يبحث عن «الأكثر»، بل عن الأعمق. وربما، هو يذكّرنا جميعًا بأن الحياة الأفضل ليست الأكبر ولا الأسرع… بل تلك التي تُشبهنا وتريحنا من الداخل.
جريدة الأخبار
العدو بات خبيرًا في فهم تركيبة المجتمع اللبناني وفي مخاطبة شبابه بلغتهم وأوجاعهم..
إن الهواتف تعد “سرطانا لأطفالنا” تسبب “العزلة والوحدة وتقلل من الانتباه،
يؤكد العلماء أن التواصل مع الأصدقاء الحقيقيين فقط هو ما يجلب السعادة،
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال