أطفال غزة .. طفولة خارج المألوف

أطفال غزة .. طفولة خارج المألوف

هل تنطبق تحليلات علم النفس على ما يمكن أن تجرّه الحرب على أطفال غزة من صدمات نفسيّة؟


شوكت اشتي/ خاص موقع "أمان الأطفال"

 

لا تختلف النظريات التربويّة والنفسيّة والاجتماعيّة، مبدئيًا، في تحديد مرحلة الطفولة كونها تنحصر في المرحلة التي تسبق مرحلة البلوغ أو الرشد أو النضج. وهم في هذه المرحلة بحاجة ماسة لمساعدة الأكبر منهم سنًا، لتحقيق النمو الطبيعي الذي يمكّنهم من الاندماج مجتمعيًّا من جهة، وليصبحوا قادرين على مواكبة الحياة ومستلزماتها من جهة ثانية، وقادين على إدارة شؤونهم وتحديد خياراتهم من جهة ثالثة.

 

غزة.. وطفولة مغايرة

    إنّ مرحلة الطفولة على قدر كبير من الأهميّة؛ لتأثيرها المباشر والعميق على تكوين شخصية الإنسان وتشكيله. وكونها ركنًا أساسيًا في بناء المجتمع وتطوره، الأمر الذي يَفترض توفير البئية المناسبة لتأخذ هذه المرحلة من عمر الإنسان حقها الطبيعي من الاهتمام والرعاية، ما يُحققّ نموًا متوازنًا للطفل، اجتماعيًّا وتربويًّا ونفسيّا وصحيًّا وجسديًّا.... من هنا يمكن التساؤل: إلى أي مدى تتوفر هذه المتطلبات لأطفال فلسطين عامة، ولأطفال الضفة الغربية خاصة، ولأطفال قطاع غزة بشكل أخص؟ هل يتأمن لهؤلاء الأطفال البيئة المطلوبة، ولو في حدها الأدنى؟ هل يعيش أطفال غزة، بشكل خاص، طفولتهم؟ وما معنى الطفولة فيه في هذه الأيام؟.

 

 

إنّ ما عاشه قطاع غزة- لا تتجاوز بقعته10 كلم، وبطول 41 كلم تقريبًا، وهي الأكثر اكتظاظًا بالسكان عالميًّا)، بدءًا من العام 2006 من حصار مُحكم، وتعرّضه على مدار سنوات عديدة لسلسلة من الحروب الوحشيّة، بكل ما يمكن تخيّله من آلام وجروح وموت ودمار... إضافة لما يعيشه القطاع في هذه اللحظات، بدءًا من عمليّة "طوفان الأقصى" (7 تشرين الأول 2023) من إبادة جماعيّة لا ترحم البشر ولا الحجر، وفاقت بوحشيّتها كلّ تصور وخيال. 

 

فهل يمكن، في ظلّ هذه الأجواء المرعبة الحديث عن وضع الأطفال، أو البحث عن معنى الطفولة؟

إنّ جيش الاحتلال الصهيوني، وتحت أنظار العالم أجمع، يُمارس قتله المتعمّد والمقصود لأطفال القطاع، مع أنّ الجميع يعرف أن هذه الأعمال البربريّة والنازيّة تتنافى وأبسط القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، الأمر الذي يؤكد أنّ هناك جريمة بحقّ الطفولة في قطاع غزة، لم يعرف العصر الحديت مثيلًا لها.

 

طفولة مميزة

يقدّم أطفال القطاع أنموذجًا مختلفًا في الحياة؛ إنهم يواجهون أشكال التدمير والقتل والعنف كافّة.... بطرائق تصدم الجميع، وبوسائل غير متوقعة من أطفال، سواء لمقدرتهم على المواجهة والصمود أم التشبث بالحياة والقدرة على التحمّل... الأمر الذي يجعلهم خارج المقاييس المعتمدة والموضوعة لمعنى الطفولة وتحديد خصائصها وشروط نموها.

 

قُدرات خارقة

    قد لا يتسع المجال لسرد العديد من الأخبار والأحاث والوقائع عن هذه الطفولة "الجبارة"، في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني وسلاحه المدمر. فكلّ منا يشاهد ويتابع بألم وتعجب هذه الأحداث. فعندما سُئل طفل ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ إجاب: نحن لا نكبر؛ لأنّ العدو يقتلنا. وعندما كانت طفلة تبحث عن أهلها، في أحد مراكز النزوح بعد هدم المنزل الذي نزحوا إليه ولم تستطع أن تعرفهم من كثرة ما أصابهم. ناداها أخيها الأصغر فعرفته، وركضت إليه باكية، فقال لها: "لا تبكي؛ قولي الحمد لله". وعندما يُقتل الأهل والمئات من البشر أمام الأطفال، نجدهم يبكون ويصرخون: الله أكبر، حسبي الله ونعم الوكيل. ونشاهد أحد الأطفال يُقدم لطفل آخر بعضًا ممّا حصل عليه من طعام؛ لأنّ الأخير لم يبقَ له شيئًا من الأكل الذي يوزع..... وفي المقابل؛ بالرغم من كلّ المصائب التي يعيشها أطفال القطاع، نشاهد العديد منهم يتجمّعون فوق الركام يغنون لفلسطين ولغزة أم العزة....

 

تجربة خارج المألوف

    هذه المشاهدات وغيرها العديد؛ تشير إلى أن أطفال القطاع يسرعون في النمو، يكبرون قبل الآوان، وأصبح وعيهم أكبر من عمرهم الزمني، ويقومون بالأعمال المرتبطة بالكبار، سواء على المستوى الجسدي أم الذهني، وبكل شجاعة ومسؤولية.

هذه الخصيصة المميزة لها إيجاباتها، لجهة الصمود والمواجهة. لكنّها مؤلمة جدًا، ليس لغياب مرحلة الطفولة وتجاوزها قسرًا بسسب عدوان العدو الصهيوني، بل لما قد تحمله من الرتدادات مستقبلية تؤثر على مسار حياة هؤلاء الأطفال.  

من المؤلم، القول: إن أطفال غزة "شهداء أحياء"، ومن المؤلم، القول: إنهم تأقلموا مع هذا الوضع الماساوي ودماره وهمجيته ووحشيته.... لكن يمكن القول: إن الطفولة في قطاع غزة "صادمة" بالمعنى الإيجابي، وهي خارج "المنطق" المتعارف عليه، في فهم الطفولة وحاجاتها. إنهم يحملون قضية وطنهم وهم في هذه السن المبكرة جدًا. لذلك هم لا يتعلّمون تاريج وطنهم؛ بل هم مشاركون أساسيون في صناعته وكتابته لحظة بلحظة، من خلال مسار حياتهم اليومية، ما يجعلهم بحق تجربة مختلفة جذريًّا عن غيرهم من أطفال العالم. وهذا ما يجعلهم قدوة من جهة، ومجالاً للدراسة وأخذ العِبر من جهة أخرى.
 

 

 

مواضيع مرتبطة

تطبيقات حفظ الأرقام.. هل تخرق الخصوصية؟

هل فعلًا يمكن لأي استخبارات التجسّس منه على مكالماتنا؟ وكيف يعمل؟

تطبيقات حفظ الأرقام.. هل تخرق الخصوصية؟

هل فعلًا يمكن لأي استخبارات التجسّس منه على مكالماتنا؟ وكيف يعمل؟

طفلي جبان ..!!

كيف أبني طفلًا مقدامًا؟ 

كلمات مفتاحية

تربوية