أطفال غزة وأثار الحرب النفسيّة.. أيُّ مستقبلٍ يصنعهم؟

أطفال غزة وأثار الحرب النفسيّة.. أيُّ مستقبلٍ يصنعهم؟

أثر حرب غزة على أطفالها..عدوانيّة وعنف أم تخطيط أكبر للحريّة؟ عادةً؛ الحروب تخلق حالات نفسية صعبة للغاية عند الأطفال.. ولكن ما نشهده حاليًا في العدوان على قطاع غزة أطفالاً من نوع مغاير عن بقيّة الأطفال..فأي سرّ يكمن فيهم؟!

 شوكت اشتي/ خاص موقع أمان الأطفال

بيّن علم النفس الكثير من العوارض التي تُصيب الأطفال في أثتاء الحرب، نفسيًا، سلوكيًا، ذهنيُا،... سواء لجهة الاضطرابات في النوم والتوتر المستمر والرعب والخوف والعصبية والبكاء والتبول غير الإرادي والإنزواء.... فقدّم الخبراء العديد من الارشادات للأهل والمربين للتخفيف من هذه النتائج على الأطفال، خاصة بعد توقف الأعمال العسكريّة. 

تساؤلات مشروعة

التساؤل الأبرز، في هذه اللحظة المفصليّة، ماذا عن أطفال قطاع غزة في حرب الإبادة التي يشنّها العدو الصهيوني؟ كيف "يتعايشون" مع الأوضاع غير المسبوقة في وحشيتها، في ظلّ هذه الأجواء المؤلمة والمعاناة القاسية، والتي لا يمكن تخيلها، المواجهة، والصمود، و"التكيف"...؟ إنّ المسألة لا تتعلق فقط، بمتابعة الآثار التي تتركها الحرب على هؤلاء الأطفال، مع أهميتها وضرورتها؛ بل تحاول البحث عن العوامل التي تجعلهم قادرين على المواجهة والتصدّي. 

تربية مختلفة

من المؤكد صعوبة تقديم إجابات قاطعة وواضحة وشافية عن مثل هذه التساؤلات الأوليّة، وغيرها، لكن من خلال المتابعة يمكن القول، وبكل موضوعية، إنّ ما يوفّر لأطفال غزة وأهاليهم كلّ هذا الصمود ويعطيهم كلّ هذه القوة، ينبع بالدرجة الأولى والأخيرة، من عمق الإيمان بالله تعالى وكتابه الكريم الذي يختزنه أهل غزة، كما أهل فلسطين عامة، ويمارسونه في تربيتهم لأطفالهم. فتغدو مظاهر المواجهة محكومة بقوة الإيمان، حيث "لا يُصيبنا إلا ما كتبه الله لنا". هذا التسليم المطلق بالقدر وأحكامه، ليس لها موازين لقياسها أو تحديد درجاتها. لأنها خارج القياس والتحكّم. 

كما أنّ تماثل الأطفال مع الأكبر سنًا في البيئة الحاضنة، والسعي للتماهي معهم، هو بحدّ ذاته عاملً مهم لتوليد هذه الطاقة الدافعة عندهم. خاصة وإنهم عايشوا، أو سمعوا عن العديد من الأبطال في مواجهة المحتلّ ومنهم: الشهيد والمعتقل في المعتقلات والجرحى، ومن هو في صفوف المقاومة يواجه ببسالة قوات الاحتلال الصهيوني. إذ يتجسد المسار الايماني، والتماثل مع الأكبر سنًا، بمظاهر حياتية يومية، وعلى مستويات مختلفة، لجهة عمل الخير، والتعاون، والنخوة، والمساعدة، وخدمة الآخر، والتكافل، وإحتضان أبناء الشهداء، ومساعدة الجرحى،  وتلبية النداء عند أي حدث، والاهتمام بالجار، والقيام بالواجبات الاجتماعية على إختلافها.....

إضافة لذلك وفي موازاته، مبدئيًا، فإن همجية العدو الصهيوني على مدار سنوات الاحتلال كلها، أنتج عند أهل قطاع غزة، كما في مناطق فلسطين كافة، نمطًا معيشيًّا وحياتيًا ومجتمعيًّا أصبح منهجًا تربويًا مقاومًا، تمارسه الأسرة، كما العائلة الممتدة، كما البيئة المدرسية، كما المجتمع بأسره.... هذه التنشئة المغروسة بالإيمان والمجبولة بالمعاناة والظلم، تجسدت سلوكًا حيًا في مقاومة العدو، اعتاده الأطفال، و"تدربوا" عليه.. أي إنّ هذه التنشئة تحولت إلى أسلوب حياة، وغدت "مقياسًا" حياتيًا يخضع لمعاييره الطفل في مراحل نموه المختلفة، كما الشخص الكبير. 

من خصائص هذا النمط أنّه قادر على امتصاص الصدمة، وعلى اختزان الآلام، ولديه المقدرة على التحمّل والتحكّم والسّيطرة على "الذات". من هنا  تشكّلت "شخصيّة طفوليّة"، جوهرها الإيمان المتجسّد سلوكًا مقاومًا، قد يكون نموذجه فريدًا في العالم أجمع. هذا التصوّر يجعل الأطفال قادرين على "التكيف" والتفاعل مع مجريات الأحداث على اختلافها. هو بالتأكيد له تأثيرات جانبيّة ومباشرة على مسار نمو الطفل؛ خاصة وأنّه قد يُلغي مرحلة الطفولة، أو يعمل على جعلها حاضرة بحسب طبيعة الأحداث. وهذا التوصيف يساعدنا، من حيث المبدأ، لفهم طبيعة الأطفال في غزة، ومحاولة لاستعاب، أو معرفة كلّ هذه المظاهر الطفولية غير المعهودة.

لمزيد من توضيح معالم هذه الشخصية عند أطفال غزة، وما نقصده بـ"النمط التربوي" المقاوم ضد الاحتلال، بكل أشكاله، يمكن تقديم مظاهر عملانية حيّة غير شكليّة وغير متخيّلة، نابعة من قساوة الواقع الذي فرضته قوات الاحتلال، والذي مارس على مدار سنوات طوال أبشع أنواع الحروب وأكثرها ظلمًا ضد سكان قطاع غزة، الأمر الذي بلور "شخصية طفولية" تبدو فريدة في خصائصها، وقادرة على تحمل شظف العيش ومستعدة لمواجهة وحشيّة العدو وبطشه، حيث يتعرّض القطاع، منذ بداية الألفية الثالثة، إلى مسلسل من الحروب القاسية.

شهادات مباشرة

إنّ أطفال غزة وفلسطين يكبرون قبل الآوان، بفعل الاحتلال وعدوانيته الإجراميّة، ما يجعلهم نساءً ورجالًا، قبل سن البلوغ، أي إنّهم يختزلون  النمو بحسب المراحل العمرية الطبيعية، فيولّد مقدرة على المواجهة والتصدّي والتحمّل  والصمود.... وفي محاولة لتوضيح المزيد من المعطيات حول "الشخصيّة الطفوليّة" عند أطفال غزة، يمكن الاستناد إلى ما قدّمه المعتقلون الفلسطينون، بعد عملية تبادل الاسرى، بدءًا من يوم الجمعة (24 تشرين الثاني 2023)، إثر "الهدنة الإنسانية" التي قضت بتوقف إطلاق النار، بين قوى المقاومة الفلسطينية ( كتائب عز الدين القسّام، وحركة الجهاد الإسلامي، والفصائل الأخرى) في غزة من جهة، والعدو الصهيوني الذي يعتقل ما يزيد عن سبعة الاف معتقل، من رجال ونساء وأطفال، من جهة أخرى، يُلاحظ عدد الأطفال الذين حرّروا، ومعنويات المرتفعة وقوة الصمود والتحدّي التي ينطلقون منها؛ خاصة وأن أغلبهم اعتقل وهو قاصر، وبعضهم الآخر محكوم بسنوات طويلة... تحدثوا جميعهم باعتزاز وثقة وفخر، قلّ نظيرها، حيث لخصت إحدى الإسيرات الموقف بقولها: "نحن أقوى منهم". 

 كما يُلاحظ، ثالثًا، عظمة الاحتضان الشّعبي عند بوابات السجن، أو في المناطق التي  يسكنون فيها. وبالرغم من منع الاحتلال أي مظاهر بالابتهاج، فإنّ عامّة الناس، وليس أهل المعتقلين وحسب، كانوا يطلقون صيحات الله أكبر، ويرفعون الأعلام الفلسطينية، ويردّدون الهتافات لفلسطين وفصائل المقاومة، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام. وكان ملفتًا ظهور رجل تجاوز عمره المئة عام جاء ليحي المُفرج عنهم، مع أنه لا يوجد بينهم أي معتقل يخصّه، والسبب، بالنسبة إليه، هو أن هؤلاء أبناءنا، نعتزّ بهم ويجب تحيّتهم. 

الطفولة الممكنة

لقد تحول أطفال غزة، اليوم، كما أطفال فلسطين، إلى مدرسة في البطولة والصمود، ما يجعلهم بحقّ، نجوم فلسطين ومنارات على طريق التحرير. فقد أعطوا للطفولة معنى آخر، بالرغم من كل المأسي ومسلسل الآلام، ما تزال آمالهم مشرّعة الآفاق لنيل الحرية واستعادة الأرض المغتصبة.  

لهذا؛ فإنّ الحقيقة الدامغة تؤكد بأنّ استعادة الطفولة في فلسطين عامة، وقطاع غزة اليوم خاصة، لا تكون إلا بإنهاء الاحتلال الصهيوني. 
 
 

مواضيع مرتبطة

تطبيقات حفظ الأرقام.. هل تخرق الخصوصية؟

هل فعلًا يمكن لأي استخبارات التجسّس منه على مكالماتنا؟ وكيف يعمل؟

تطبيقات حفظ الأرقام.. هل تخرق الخصوصية؟

هل فعلًا يمكن لأي استخبارات التجسّس منه على مكالماتنا؟ وكيف يعمل؟

طفلي جبان ..!!

كيف أبني طفلًا مقدامًا؟ 

كلمات مفتاحية

تربوية