كشفت وثائق قضائية أميركية عن مزاعم خطيرة ضد "ميتا" الشركة الأم لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، تتعلق بتهاونها في حماية الأطفال والمراهقين على منصاتها الرقمية، بما في ذلك التساهل مع الاتّجار الجنسي والتواصل غير الآمن مع بالغين مجهولين، رغم علمها بالمخاطر منذ سنوات. وتأتي هذه الوثائق، التي كُشف عنها الجمعة، ضمن دعوى جماعية ضخمة ضد أربع شركات للتواصل الاجتماعي، تشمل أكثر من 1800 مدعٍ من أطفال وأولياء أمورهم ومناطق تعليمية ومدعين عامين، متهمين الشركات بـ"السعي لتحقيق النمو بأي ثمن"، على حساب صحة وسلامة الأطفال، وفقاً لما نقلته مجلة تايم.
شهدت رئيسة قسم السلامة والرفاهية السابقة في "إنستغرام"، فايسنفي جايكومار، أن انضمامها للشركة في 2020 كشف لها عن سياسة مقلقة لمكافحة الاتجار بالبشر لأغراض جنسية. وفق شهادتها، تعتمد الشركة سياسة الـ17 مخالفة: يمكن لحساب ارتكاب 16 مخالفة تتعلق بالدعارة أو التحريض الجنسي قبل تعليقه في المخالفة السابعة عشرة. وقالت جايكومار إنّ هذه العتبة "مرتفعة جداً مقارنة بمعايير الصناعة"، وأكدت أن النظام لم يوفر للمستخدمين طريقة سهلة للإبلاغ عن محتوى استغلال الأطفال، رغم أن الإبلاغ عن مخالفات أقلّ خطورة، مثل الرسائل المزعجة أو الترويج للأسلحة، كان متاحاً بسهولة.
توضح مذكرة المدعين أن "ميتا كانت على علم منذ سنوات بأن استخدام منصاتها يزيد من القلق والاكتئاب بين المراهقين"، لكنها لم تكشف النتائج للجمهور أو للكونغرس، ورفضت تنفيذ إصلاحات كان يمكن أن تحد من هذه المخاطر. على سبيل المثال، أظهرت دراسة داخلية أن تعطيل حسابات المستخدمين لمدة أسبوع يؤدي إلى انخفاض معدلات القلق والاكتئاب والوحدة، إلّا أن الشركة أوقفت الدراسة وأخفت النتائج بحجة "تحيّز وسائل الإعلام"، وقال أحد الموظفين: "إذا تسربت النتائج، سيبدو الأمر مثل شركات التبغ التي تعرف أن منتجاتها ضارة ثم تخفي الحقيقة".
رغم توصيات داخلية عام 2019 بجعل حسابات المراهقين "خاصة تلقائياً" لمنع التواصل مع بالغين مجهولين، رفضت الشركة تنفيذ هذا الإجراء خوفاً من فقدان التفاعل وعدد المستخدمين النشطين. وبالفعل، ارتفعت التفاعلات غير الملائمة بين المراهقين والبالغين إلى مستويات عالية جداً، وتشير الوثائق إلى أنّ إطلاق ميزة "إنستغرام ريلز" فاقمت المشكلة، إذ سمح للمراهقين الشباب ببث مقاطع قصيرة إلى جمهور واسع، بمن في ذلك بالغون مجهولون، ما خلق فرصاً متزايدة للتواصل غير الآمن. وتكشف الدعوى أن "ميتا" درست سلوك الأطفال دون سن المراهقة ووضعت استراتيجيات لتوسيع قاعدة مستخدميها بين الأطفال من سن 5 إلى 10 سنوات، وأبدى بعض الموظفين استياءهم من هذه السياسات، معتبرين أن استهداف الأطفال الصغار يشبه أساليب شركات التبغ في التسعينيات، قائلاً: "نحن بصدد إدمان الأطفال منذ سن مبكرة".
على الرغم من تطوير الشركة لأدوات ذكاء اصطناعي لرصد المحتوى الضار، لم تحذف المواد الخطرة تلقائياً، حتى عند التأكد بنسبة 100% من أنها تتعلق بإساءة جنسية للأطفال أو اضطرابات الأكل، كما بقيت مواد تشجع على إيذاء النفس على المنصة، إذ أظهرت دراسة داخلية أن أكثر من 8% من المراهقين بين 13 و15 عاماً شاهدوا شخصاً يهدد بإيذاء نفسه خلال أسبوع واحد على "إنستغرام"، وأشارت المذكرة إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تحذف المحتوى إلّا إذا كانت متأكدة بنسبة 94% من مخالفته، ما ترك معظم المحتوى الضار متاحاً للأطفال والمراهقين.
تؤكد الوثائق أن "ميتا" كانت تعرف أن منتجاتها تسبب إدمان الأطفال والمراهقين عليها، لكنها تجاهلت المخاطر وأبقَت تركيزها على زيادة التفاعل وعدد المستخدمين. وجرى تجاهل ميزات كانت تقلل من الإدمان، مثل وضع "الوضع الهادئ" أو إخفاء الإعجابات لمنع المقارنات الاجتماعية، بدعوى أن ذلك قد يضر بالأداء الإعلاني ونمو المنصة.
في العام 2024، أطلقت ميتا "حسابات المراهقين الخاصة تلقائياً" على "إنستغرام"، مع قيود على المحتوى الحساس، وإيقاف الإشعارات ليلاً، ومنع الرسائل من بالغين غير مجهولين، كما توفر الشركة للوالدين أدوات لمراقبة استخدام المراهقين للتطبيق، بما في ذلك مراقبة المحادثات وتحديد أوقات استخدام التطبيق، لكن المذكرة تشير إلى أن هذه التغييرات جاءت بعد "سنوات من مقاومة الشركة لتطبيق توصيات موظفيها"، ما عرض المراهقين لمليارات التفاعلات غير المرغوبة مع بالغين، وأثار أضراراً نفسية طويلة الأمد.
تشير الوثائق إلى أنّ "ميتا" ركزت على زيادة الوقت الذي يمضيه المراهقون على منصاتها باعتباره هدفاً رئيسياً منذ 2017، واعتمدت استراتيجيات للتواصل مع المدارس والجمعيات الأهلية، واستخدمت بيانات الموقع لإرسال إشعارات مخصّصة للطلاب أثناء الدراسة، بهدف زيادة التفاعل، حتّى لو كان ذلك على حساب سلامتهم، وأكدت الدعوى أن الشركة لم تكن دائماً تعرف أعمار المستخدمين الجدد بدقة، إذ شهدت 2022 وجود 216 مليون مستخدم لا تعرف أعمارهم على منصاتها، بما في ذلك آلاف الأطفال دون 13 عاماً الذين استخدموا إنستغرام رغم القيود الرسمية.
تظهر الدراسة أن المزيد من الضحايا يتحولون إلى جناة
قانون الاتحاد الأوروبي المقترح، لمكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال وصل إلى طريق مسدود .

2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال