د. زينب الطّحان/ موقع "أمان الأطفال"
في مجتمعٍ يربط القيمة الإنسانية بالنجاح، غالبًا ما يتحوّل الرسوب الدراسي من حادثة عابرة إلى وصمة، لا تطال التلميذ أو الطالب وحده، هي تمتدّ لتشمل الأسرة كلّها، فتُستنفَر المشاعر، وتُطلق الأحكام، وتبدأ رحلة البحث عن "الخطأ" ومَن ارتكبه. وسط هذه الدوّامة، قد يغيب السؤال الأهم: هل نحن نعرف كيف نُربّي أبناءنا حين يفشلون؟
هذا المقال محاولة للتأمل في تجارب حيّة، وآراء تربوية، تكشف كيف يمكن أن يتحوّل الرسوب من لحظة انهيار إلى نقطة تحوّل. كيف يمكن للأسرة أن تواجهه لا ككارثة، بل بكونه فرصة لإعادة بناء العلاقة مع أبنائها، وتصحيح أساليبها في التربية.
أولًا- الرسوب.. حين يتحوّل إلى أزمة أسرية
الرسوب الدراسي ليس مجرّد انخفاض في العلامات، هو زلزال نفسي يضرب أعماق التلميذ وأسرته. تقول إحدى الأمهات في شهادتها: "شعرت كأنني رُميت بماء بارد في وجهي، حين رأيت اسم ابني في لائحة الراسبين!".
رد الفعل العاطفية الأولى تكون غالبًا هجومية: لوم، صراخ، تهديد، وربما ضرب. لكن ما تخفيه هذه الانفعالات هو إنكار وصدمة، مصدرها إحساس الأهل بأنهم فشلوا في دورهم التربوي، أو أنهم تعرضوا للإحراج الاجتماعي.
يتكرّس هذا الضغط حين تقارن الأسرة بين ابنها و"ابن الجيران"، أو حين تصف رسوبه بأنه "فضيحة"، متجاهلةً أنه طفل أو مراهق يمرّ بتقلّبات نفسية وعاطفية.
ثانيًا- التلميذ الراسب ليس مشروعًا فاشلًا
المشكلة لا تكمن في الرسوب بحد ذاته، إنما في الطريقة التي يُفهم بها، حين يتحوّل الفشل الدراسي إلى نفيٍ لقيمة الابن أو الابنة، ينشأ جرح عميق في صورته الذاتية :
المطلوب إذًا هو إعادة تعريف الرسوب، لا لكونه خطيئة أو فشلاً، بل لكونه حدثًا يمكن تجاوزه. وقد أثبتت التجربة أن كثيرًا من التلاميذ الراسبين في مرحلة ما، تفوقوا لاحقًا حين حصلوا على الاحتواء والتوجيه بدل القسوة والعقاب.
ثالثًا- أين الخطأ؟ مراجعة تربوية للمنظومة العائلية
تقول إحدى الأمهات بعد مراجعة تجربتها: "أنا لم أكن أتابع ابني فعليًا، كنت أصرخ عليه بدل أن أستمع إليه، كنت أطلب منه الدراسة وأنا أحمله مسؤولية كل شيء وحده".
هذا الاعتراف يضيء على مسألة بالغة الأهمية: الرسوب غالبًا نتيجة تراكميّة لأخطاء عدّة، ليست مسؤولية التلميذ وحده.
من أبرز هذه الأخطاء:
حين نحمّل ابننا أو ابنتنا وحدهما عبء الرسوب، فإننا نظلم الحقيقة. يجب أن تكون هناك محاسبة تربوية عادلة، تدرس دور الأسرة والأساتذة، وحتى المنهج التعليمي.
رابعًا- كيف نواجه الفشل التربوي؟ خريطة طريق للأسرة
كي لا يتحوّل الرسوب إلى جرح دائم، يحتاج الأهل إلى تبني نهج تربوي مختلف، يقوم على المبادئ الآتية:
1. الاعتراف بالواقع من دون تهويل
رسوب الابن أو الابنة لا يعني نهاية العالم، ولا يشير بالضرورة إلى ضعف دائم. لا بد من تهدئة الانفعالات ومقاربة الأمر على أنه عقبة قابلة للحل.
2. الحوار لا الصراخ
أسوأ ما يفعله الأهل هو تحويل الرسوب إلى محاكمة، بدل أن يحوّلوه إلى جلسة فهم ومكاشفة، ويجب أن يسألوا: ما الذي واجهه الابن؟ ما الذي أعاقه؟ ماذا يحتاج ليبدأ من جديد؟
3. إعادة بناء الثقة بالنفس
يجب تشجيع الطالب على المحاولة مجددًا، والاحتفال بتقدّمه ولو كان طفيفًا. هذه المساندة تُعيد له صورته الإيجابية أمام ذاته.
4. وضع خطة دراسية مرنة وواقعية
الرسوب نتيجة، ولكن الأهم هو توفير أدوات النهوض: برنامج يومي، تحديد الأولويات، دعم أكاديمي خاص إذا لزم الأمر، وإشراف من دون ضغط.
5. طلب المساعدة عند الحاجة
لا عيب في طلب استشارة تربوية، أو اللجوء إلى مختص نفسي، إذا لاحظ الأهل أن الابن يعاني أعراض الاكتئاب أو الرفض التام للدراسة.
خامسًا: المدرسة والمجتمع.. هل نشارك في صناعة الفشل؟
البيئة المدرسية والمجتمع المحيط يسهمان أحيانًا في ترسيخ شعور التلميذ بالفشل؛ إذ إنّ :
في المقابل، المطلوب أن تعيد المدرسة دورها كنها حاضنة تربوية لا ساحة فرز بين "ناجحين" و"فاشلين". وأن يُربّى التلاميذ على احترام الفروق الفردية، لا على التنافس الأعمى.
لنربَّ أبناءنا على النهوض لا على الكمال
في النهاية، الرسوب ليس نقيض النجاح، هو جزء من الطريق إليه. وتربية الأبناء يجب أن تكون في لحظات رسوبهم وفشلهم تماما مثلما تكون في لحظات تفوقهم، في قدرتنا على أن نحبّهم ونرافقهم حين يسقطون.
الفشل فرصة لنكتشف أنفسنا الأسرية، أن نرى ثغراتنا، ونحوّل العتاب إلى دعم، والانكسار إلى بناء.
هذه ليست شعارات، هي خلاصة تجارب حقيقية، تقول لنا:
الرسوب لا يعرّف أبناءنا، هو طريقة مواجهتنا له هي التي ترسم مستقبلهم.
الطفل الانطوائي لا يتفاعل مع مجتمعه..كيف نخرجينه من هذه الحال؟
الكبش العظيم الذي أنزله الله من السماء .. هو سر ّ عيد الأضحى المبارك..
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال