زينب حمود/ موقع "أمان الأطفال"
تشكّل الأعياد والمناسبات الدينية فرصة ثمينة للأهل، تسهم في تربية الأبناء الدينية، حين يتعرّفون المعاني العظيمة لمفاهيم عيد الأضحى المبارك الذي يلي فريضة حجّ بيت الله الحرام؛ عند كل عام من شهر ذي الحجّة الهجري. إذ من الأهمية أن يعرف الطفل أن هذا العيد يتميّز بخصوصية الاحتفاء بعد تقديم ولاء الطاعة لله والاعتراف بواحدنيته والتطهر من الذنوب والآثام..ما يقتضي منّا هذا الاحتفال المبارك.
لذلك؛ قد نسأل: لتحقيق هذا الهدف كيف نعيش عيد الأضحى المبارك؟
لماذا أهدانا الله عيد الأضحى المبارك؟
تقول "أميمة علّيق"، وهي الكاتبة والباحثة في العلوم التربوية والدينية، إن ربط العيد بعبادة الله- سبحانه وتعالى- في عقول أطفالنا، مع انتهاء مراسمه نُظهر فيها طاعتنا وحبنا وعبوديتنا له – عزّ وجلّ- تمامًا كالاحتفال بالإفطار بعد صوم شهر رمضان المبارك وإحياء ليالي القدر وزكاة الفطرة. هو عيد؛ لأنه ينقطع الإنسان عن ملذات الدنيا وهمومه، ويرجم الشيطان وينشغل بطاعة الله، فيكافئنا سبحانه بيوم تُغفر فيه ذنوبنا وتُستجاب فيه دعواتنا، ألا وهو العيد.
هو يوم فريد ليس كبقية الأيام
تؤكد الدكتورة علّيق أهمية أن يشعر الطفل بفرادة هذا النهار، وباختلافه عن بقية الأيام، فالعيد هو كسر لروتين الحياة الاعتيادية اليومية الروتينية التي نعيشها. لذلك؛ على الأهل تنظيم برنامج لتمضية هذا النهار بطريقة مختلفة ومناسبة مع طقوس العيد، مع الحرص على أن يملأه الفرح والبهجة.
لنبدأ مع الصباح الباكر – تشير علّيق- ليلبس الأطفال الثياب الجميلة الجديدة، ويذهبوا مع ذويهم إلى المسجد لآداء الصلاة. لكن قبل هذه الخطوة، هناك ما نسمّيها "العيدية"، وهي أوّل ما يبهج قلوب الأطفال، فاعطها لأبنائك باكرًا، ليمشي معك إلى المسجد مسرورًا مفعمًا بشعور يربط أحاسيسه بين نعم الدنيا ومرضاة الله.
من أجمل القيم النبيلة التي يعزّزها الإسلام فينا؛ فترتقي معها أرواحنا، هي زيارة القبور، وخاصة في الأعياد. وهي ليست من العادات والتقاليد المتوارثة، لذلك ما نزال نحافظ عليها؛ إنّما هي كذلك لارتباطها بمفهوم ديني عميق؛ حين يلتفت الإنسان وهو يبدأ نهاره في يوم العيد بإقامة الصلة مع أرحامه الأموات. وهذه صلة له أكثر من بُعد؛ من المهمّ أن يستوعبها الطفل:
الأول؛ سيفهم طقلنا أن هؤلاء الأموات ليسوا منقطعين عن أهل الدنيا؛ هم ينتظرون زياراتنا لهم من وقت إلى آخر؛ وخصوصًا في هذه المناسبات الدينية العظيمة. وهذا بحدّ ذاته يربط أحاسيس الطفل بعالم الغيب الربّاني؛ ليبقى في ذهنه دائمًا إنّنا نعمل لآخرتنا، وحياتنا ليت عبثًا.
الثاني: زيارة القبور يوم العيد؛ تزيد من ارتباطنا بالله، والتفكّر الدائم بأنّنا يومًا سندفن تحت هذا التراب؛ وهذا ما يجب أن ننقله بالإحساس للطفل، ليشعر دومًا بمراقبة الله سبحانه.
بعد التزوّد الروحي، والذي سيحصل عليه الطفل في الصلاة في المسجد وزيارة القبور؛ ننتقل إلى زيارة الجيران والأقارب، قدر ما أمكن، وإقامة التجمعات العائلية السعيدة، والتشارك بالطعام، والكلام للدكتورة عليق.
هذا؛ وتلتفت علّيق إلى ما تركه العدوان الصهيوني الأخير فينا من حزن على أحبائنا؛ مع ذلك كل الحرص مطلوب لإظهار الفرح في هذا العيد؛ وهو فرصة يمكننا معها فتح نافذة نحو الفرح مرة ثانية، خصوصًا للأطفال؛ لاسيما عوائل الشهداء.
لطالما يتساءل الأطفال عن سرّ تقديم الأضحية وذبح الماشية، توضح الدكتورة علّيق مسألة ألا يرى الأطفال مشهد كيفية ذبح الماشية، ولكن في عيد الأضحى تحديدًا، من المهم أن نوجّه شعورهم المتعاطف مع الحيوان الأليف الذي يُذبح أمامهم نحو حقيقة الخلق الرباني لكائناته. وهي أن هذا الحيوان فطر الله إحساسه على الذبح؛ فهو مهيء تلقائيًا ليقدّم نفسه للإنسان تضحية لاستمرار حياته فرحًا غير حزين أو خائف؛ وهذا هو سرّ الكبش العظيم الذي فدى الله به النبي إسماعيل (ع) حين كان صبيًا يافعًا. وهذا جانب من سر الخلق الإلهي؛ يمثّل عيد الأضحى المبارك فرصة ليكتشفه ويحسّ به الطفل، مع كل عيد.
عيد الأضحى والقصص من التاريخ الإسلامي
كما أشارت الكاتبة والباحثة في العلوم الدينية والتربوية الدكتورة أميمة عليق إلى أهمية ربط العيد بالعبادة, كذلك لا يقلّ شأنًا ربط عيد الأضحى المبارك بأحداث التاريخ الإسلامي. كيف تشكّلت هذه المناسك ومضامينها المعنوية وقيمها الأخلاقية. إذ، في الحج، يخلع العبد ثوب الدنيا ويترك وراءه كل تفاصيل حياته اليومية، ويأتي بثوب الآخرة فينقطع عن الملذات الدنيوية ويصبو نحو الله. ولنحكي له البعد المعنوي لعبارة "اللهمّ لبيك" التي يكررها الحجاج حول الكعبة المشرفة، حيث تتسامى هذه الروح وهي تلهج بذكر الله، وما تعطيه هذه العبارة من شعور بحضور جمالية الرب المعبود وحبّه لنا وحبّنا له، عندما يتكرر نداء الحق.
تؤكد عليق أنّ هناك، أيضًا، قيمًا أخلاقية إسلامية أخرى في موسم الحج، وهي جميلة للغاية؛ يستحق أطفالنا معرفتها، وهي قيم العدالة والمساواة والتسامح. ذلك أنّ الحج، يحمل بعدًا اجتماعيًا إلى جانب البعد المعنوي، هذا الاجتماع المليوني، يحتشد فيه المسلمون من مختلف جنسيات دول العالم، لآداء مراسم واحدة. هذا اللقاء تنصهر فيه الهويات القومية والإثنية وغيرها؛ لتتحد معًا في هوية الإنسان المؤمن، والمسلم المطيع لله تعالى والمتبرأ من الشيطان. وهنا يدرك الطفل حقيقة قول الرسول الأعظم "لا فضل لعربي على أعجمي" إلّا بالتقوى"؛ نعلّمهم أن جميع البشر سواسية في مفهوم الدين الإسلامي الذي يؤكد وحدة الأمة.
قصة النبي إبراهيم (ع)
الحج ومناسكه المتعددة متعلقة بشخصية السّيدة هاجر، وهي زوج النبي إبراهيم، وما قامت به من البحث عن ماء لطفلها؛ وهي من أروع القصص التي نحكيها للطفل في هذا العيد. كما تقول الدكتورة أميمة عليق؛ والتي تشدد على أن نروي لأطفالنا قصة هذه السيدة العظيمة التي بقيت وحدها في الصحراء من دون تأفف، امتثالاً لأوامر الله سبحانه، وحملت مع النبي ابراهيم (ع) مسؤولية رفع راية التوحيد، وبناء هذا المكان المقدس الذي تحول فيما بعد إلى الكعبة المشرفة، بيت الله عز وجلّ.
كما تشير إلى أن قصة النبي إبراهيم (ع) وعائلته، مع ما تحمله من دروس عظيمة في الطاعة والعبودية والتسليم لأمر الله؛ تعين أطفالنا على التقرّب من الله تعالى، خصوصًا الصبي اليافع إسماعيل الذي سلّم أمره لله سبحانه حين أراد أبوه النبي إبراهيم ذبحه تنفيذًا للأمر الإلهي؛ وهو كان اختبارًا لهما. إذ إن ربّ العالمين الرؤوف الرحيم؛ فدى إسماعيل بكبش عظيم أنزله من السماء، ونجح كلاهما في الاختبار. وهذه من أعظم القصص التي تربي الطفل على التسليم لأمر الله سبحانه مهما كان صعبًا؛ لأن ما سيحصده من نتيجة على هذا الامتثال ستغنيه في الدنيا والآخرة، بالراحة والاطمئنان والنعيم والرزق والعزة.
الحج يربط بين العبادة ومناصرة الحق
تختم الدكتورة أميمة عليق المقابلة بالقول إن هذه المناسك الإيمانية العظيمة، والتي اختصرناها في هذه العجالة وإلا هي تستحق التوسع فيها، لا تقتصر على العبادة. إذ يجب ألّا تنسينا أن للحج بعدًا في غاية الأهمية؛ وهو متعلق بالبراءة من المشركين والكفار والطواغيت؛ خصوصًا الذين يحاربون المسلمين، في أي بقعة جغرافية كانوا. وهذا الموقف يتمظهر بتشكيل مسيرة، تسمّى مسيرة "البراءة"، يجب أن يسير فيها الحجاج لعلينوا أن "اللهم لبيك" ورفع راية التوحيد والتسليم تعني أيضًا الدفاع عن المسلمين المسضعفين والمضطهدين. وهذه المسيرة تسجّل موقفًا سياسيًا، من جانب، وتأكيد أن إسلام الإنسان المسلم لا يكتمل من دون اتخاذ موقف ضد الظلم والطغيان.
الرسوب لا يعرّف أبناءنا، هو طريقة مواجهتنا له هي التي ترسم مستقبلهم.
الطفل الانطوائي لا يتفاعل مع مجتمعه..كيف نخرجينه من هذه الحال؟
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال