لا جدال في أن التكنولوجيا قدمت الكثير للعلم وطلابه بالمدارس والجامعات، وقامت بتعزيز الفهم وتوسيع آفاق التعلم، لكن يبدو أن الإفراط في استخدامها داخل الفصول الدراسية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تؤثر سلبًا على الصحة العقلية والبدنية والاجتماعية للطالب، وخاصة في المراحل المبكرة من التعليم!
في هذا التقرير، الدكتور محمود الألفي أستاذ التكنولوجيا وعلم البرمجيات يوضّح النواحي السلبية الرئيسة، بسبب اعتماد الطالب المفرط على الشاشات والأجهزة اللوحية داخل الفصول الدراسية، مع استعراض للأدلة العلمية وبعض التجارب الدولية لتأكيد ذلك، ثم يضع حلولًا للموازنة بين الفوائد والمخاطر.
تجربة بالسويد توضح سلبيات الإفراط
نشرت إحدى الجرائد أنه، في إحدى المدارس السويدية، قررت الإدارة في العام 2023 أن تلغي الكتب الورقية بالكامل وتستبدلها بالأجهزة اللوحية لكل طالب، في البداية بدت الخطوة واعدة ومواكبة للعصر الرقمي. بعد عام فقط، عادت إدارة المدرسة عن قرارها بعد أن لاحظت تراجعًا ملحوظًا في أداء الطلاب الأكاديمي وزيادة في مشكلات التركيز والسلوك داخل الصفوف، ما يعكس واقعًا يتكرر في العديد من الأنظمة التعليمية ما يوضح الكثير.
أضرار الإفراط في استخدام الأجهزة اللوحية بالفصول الأولية
اتضح أن الاعتماد المفرط على الشاشات يُقلل من التركيز ويؤثر في مستوى التحصيل الدراسي، كما أظهرت الدراسات أن الاستخدام الزائد للأجهزة الرقمية يكرس التشتت، ويضعف من قدرة الطلاب على الاستيعاب العميق. كما أن التفاعل البصري المستمر ويقلل من جودة التفكير التحليلي، لذلك من المهم ألا يتجاوز وقت استخدام الشاشات، في اليوم الدراسي، حدًّا معينًا وتجاوزًا يؤدي إلى استنزاف القدرات الذهنية للطالب.
من الناحية التربوية، يُوصى بأن تُصمم الأنشطة الرقمية بشكل لا يستبدل الطالب التفاعل الورقي والنقاشات الصفّية.
تأثيرات نفسية مقلِقة
دراسات أخرى كشفت أن هناك رابطًا بين الإفراط في استخدام الشاشات وظهور أعراض الاكتئاب والقلق بين الأطفال والمراهقين. وأن نحو ربع الأطفال يستخدمون الهواتف الذكية بشكل يتطابق مع سلوكيات الإدمان، وهو ما يؤثر سلبًا على توازنهم النفسي. والمدارس التي تُكثر من استخدام الأدوات الرقمية من دون توجيه نفسي وسلوكي موازٍ، تسهم في خلق بيئة مليئة بالضغط والاضطراب العاطفي. من هنا كانت فكرة دمج أوقات الراحة من الأجهزة خلال اليوم الدراسي، وتشجيع الأنشطة غير الرقمية؛ أداة للحفاظ على الصحة النفسية للطلبة.
مشكلات صحية بدنية متزايدة
اليوم الكثير من الطلاب يشكون من آلام في الرقبة والظهر، وإجهاد بصري، وجفاف العينين، نتيجة الجلوس لساعات أمام الأجهزة اللوحية. والتعرض الطويل للشاشات لا يؤثر فقط على النفسية، يمتد أيضا إلى الجسد، ما تُعرف بـ”متلازمة الرؤية الحاسوبية”، وتشمل الصداع وتَشَوُّش الرؤية.
ينصح الخبراء بعدم تجاوز استخدام الشاشات ساعتين يوميًا لأغراض تعليمية، خاصة لمن هم في سن المدرسة، كما يُنصح بتوفير فواصل زمنية للحركة والراحة البصرية، بالإضافة إلى اعتماد الجلسات السليمة خلال استخدام الأجهزة.
ضعف في المهارات الاجتماعية والعاطفية
عادة ما يتعلم الطلاب من خلال التفاعل المباشر مع المعلمين والزملاء، ووسط البيئة المدرسية التقليدية، ما ينمي لديهم مهارات الحوار، والقدرة على التعبير عن الذات، وفهم مشاعر الآخرين؛ بينما في الفصول التي تعتمد كليًا على الأجهزة، تنخفض معدلات التفاعل الإنساني، ما يؤثر سلبًا على نمو الذكاء العاطفي والاجتماعي بين الأطفال، وقد يصابون بالعزلة الاجتماعية.
إذ أكدت الأبحاث التربوية أن الأطفال الذين يعتمدون على التعليم الإلكتروني بشكل مفرط يميلون إلى العزلة الاجتماعية، ويواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو بناء علاقات صحية مع أقرانهم. ولتفادي ذلك، يجب دمج الأنشطة التفاعلية داخل الصفوف لضمان وجود توازن بين المهارات التقنية والاجتماعية.
فجوة تعليمية مع التكنولوجيا
قد يُظن أن تزويد جميع الطلاب بأجهزة لوحية يحقق المساواة التعليمية، إلا أن الواقع يظهر خلاف ذلك، فبينما تتوفر الأجهزة في معظم المدارس، إلا أن الفوارق في مستوى الدعم الأسري والقدرة على التركيز الذاتي والفهم التقني، تُحدث الفرق.
دراسات تربوية حديثة أشارت إلى أن الفارق بين أداء طلاب المدارس الخاصة والعامة ما يزال قائمًا على الرغم من استخدام أدوات التكنولوجيا ذاتها، ما يثبت أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي لتحقيق العدالة التعليمية.
لتحقيق استفادة فعلية، ينبغي استخدام التكنولوجيا بعد وضع خطط دعم فردي من الطالب ذاته، ومتابعة سلوكية وتعليمية مستمرة من جانب الآباء والمعلمين بالمدرسة.
حلول للتوازن بين الفوائد والأضرار
هذا الدور لا يُعد ترفًا تربويًا، بل ضرورة لحماية الطفولة من أعباء رقمية تتجاوز قدراتهم النفسية والمعرفية، ولضمان أن تظل التكنولوجيا أداة تعليمية في خدمة الإنسان، لا عبئًا تربويًا يُقيد تطوره.
إنّ معرفة مزاج الطفل مهمة جدًا في التعامل معه ليكشف سبب مزاجه.
مزج الألعاب الرقمية والأنشطة التفاعلية مع بيئة داعمة ومربية يصنع فرقًا..
يُحذّر خبراء في التربية والتكنولوجيا أن دمج الذكاء الصناعي سيقضي على تنمية مهارات الطفل الفطرية.
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال