كي لا يقع أبناؤنا ضحيّة المخدّرات

كي لا يقع أبناؤنا ضحيّة المخدّرات

تثير الأرقام المرتفعة لتعاطي المخدّرات حول العالم قلق الأهل وجميع المعنيّين من جهات ومؤسّسات صحيّة ونفسيّة واجتماعيّة، ما يضعهم أمام مسؤوليّة تكثيف جهودهم لمكافحة هذا الخطر الذي يهدّد كثيرين، وخصوصًا الشباب منهم.

 

أرقام مرعبة

يقدّر عدد الأشخاص الذين تعاطوا المخدّرات بـ296 مليون شخص عام 2021م، أي ما يعادل 5.8 بالمئة من سكّان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا، وذلك بحسب ما جاء في تقرير «المخدّرات في العالم» الصادر عن منظّمة الصحّة العالميّة. ويقدّر التقرير أنّ عدد متعاطي المواد الأفيونيّة بلغ 53 مليونًا عام 2017م، بزيادة 56 % عن التقديرات السابقة، وهي السبب وراء ثلثي الوَفَيَات في ذلك العام، والمقدّر عددهم بـ585 ألف شخص.

على الصعيد العالميّ، تعاطى 11 مليون شخص المخدّرات بالحقن، 1.4 مليون منهم مصابون بالإيدز و5.6 مليون مصابون بالتهاب الكبد- سي(1). أمّا في لبنان، فلا توجد إحصائيّات دقيقة حول عدد مدمني المخدّرات، ولكن يمكن الجزم بأنّ ما لا يقلّ عن 20 في المئة منهم لم يتجاوزوا الثمانية عشر عامًا، وهو مؤشّر شديد الخطورة.

 

المخدرات تفتك بالصحة

وإذا ما أردنا ذكر بعض الآثار السلبيّة لتعاطي المخدّرات على الفرد فأوّلها الإدمان، والذي بدوره يؤدّي إلى:

1. مشاكل في الصحّة العقليّة.

2. الإصابة ببعض الأمراض النفسيّة كالاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعيّة.

3. فقدان التركيز وتدنّي المستوى الدراسيّ.

4. تعريض المدمن إلى مشاكل في القيادة وحوادث السير.

5. الإصابة بأمراض الكلى والكبد وتضرّر القلب والرئتين.

6. الإصابة بالنوبات القلبيّة والسكتة الدماغيّة.

للتعرّف أكثر إلى أعراض الإدمان وطرق العلاج والوقاية، كان لنا لقاء مع الأستاذة نعمت هاشم ناصر الدين المختصّة في علم النفس الاجتماعيّ وعدنا بالمعطيات الآتية:

 

أعراض الإدمان

تذكر الأستاذة ناصر الدين بعض الأعراض التي تظهر على مدمن المخدّرات، وهي تتضمّن: احمرار العينين- فقدان التركيز- ضعف الذاكرة- زيادة عدد ساعات النوم أو النوم لساعات طويلة لأيّام عدّة- السهر الطويل- الغياب المتكرّر عن المنزل لساعات أو أيّام- عدم الاهتمام بالنظافة الشخصيّة- العزلة والابتعاد عن الناس والعلاقات والمناسبات الاجتماعيّة.

 

أبرز المواد التي يتعاطاها الشباب

تعدّد ناصر الدين مجموعة من المواد التي يتعاطاها الشباب، وهي:

1. حشيشة الكيف: أكثر مادة مخدّرة يتعاطاها الشباب هي حشيشة الكيف المعروفة بالحشيش، وذلك لأنّهم يعتقدون أنّ تأثيرها خفيف ولا تؤدّي إلى الإدمان، وهذا بالطبع اعتقاد خاطئ. فهذه المادة تسبّب اضطرابات نفسيّة وسلوكيّة فضلًا عن الإدمان.

2. مادة السالفيا: كذلك يتعاطى الشباب مادة السالفيا وهي سريعة التأثير وشديدة الخطورة على الدماغ.

3. مواد أخرى: مثل الكوكايين والهيرويين.

 

الفئات الأكثر استهدافًا

«مع الأسف، تنتشر هذه المواد بقوّة بين الشباب، خاصّة الفئات الصغيرة والمراهقين منهم، الذين يسهل التلاعب بعقولهم وخداعهم بذريعة عدم فاعليّة تلك المواد وعدم تسبّبها بالإدمان. كما أنّ بعضهم يتعرّض لها على شكل سيجارة عاديّة أو حبّة دواء للصداع، وغير ذلك من الطرق التي يلجأ إليها المروّجون لجذب الشباب»، تقول ناصر الدين.

تتابع: «نتيجة ذلك، تعرّض العديد من الأطفال للخداع من بعض أصدقائهم أو جيرانهم أو أشخاص تعرّفوا إليهم في مناسبات معيّنة، حتّى بتنا نرى العديد منهم يخضعون للعلاج في مراكز خاصّة للتخلّص من الإدمان. وبشكلٍ عام، تتراوح أعمار معظم من يلجؤون إلى هذه المراكز بين 19 و35 عامًا».

 

اللجوء إلى مراكز العلاج

تنصح ناصر الدين الأهل بإحضار ولدهم إلى مركز العلاج فور ظهور الأعراض التي ذُكرت سابقًا، لإجراء الفحوصات اللازمة والتأكّد من عدم وجود أيّ مواد مخدّرة في جسمه، والتحقّق من نوعها في حال ثبوت وجودها في الدم، وهنا تبدأ رحلة العلاج، وهي على مرحلتين:

- المرحلة الأولى: «الفطام»: وهي عمليّة سحب المادة المخدّرة من الجسم، وتشمل استخدام أدوية معيّنة للتخفيف من الأعراض الانسحابيّة التي تأتي على شكل أوجاع جسديّة وآلام في العظام، وتستمرّ من 3 إلى 8 أيّام كحدّ أقصى. هذه المرحلة يمكن أن تجري في البيت، ولكن يفضّل أن تتمّ في المركز وتحت إشراف المختصّين.

- المرحلة الثانية: إعادة التأهيل: هذه المرحلة تجري داخل المركز، وتمتدّ من 6 أشهر إلى سنة و3 أشهر تقريبًا، أي بحسب الحالة. أحيانًا يتمّ توجيه الشباب إلى المتابعة الخارجيّة في مراكز متخصّصة تُخضع المدمن إلى علاج سلوكيّ معرفيّ ودينيّ، فضلًا عن إعادة تأهيل نفسيّ واجتماعيّ ليتمكّن من الانخراط في المجتمع من جديد. كذلك يخضع المريض إلى متابعة دوريّة مع معالج وطبيب نفسيّ، مضافًا إلى فحص دم دوريّ للتأكّد من خلوّ جسمه من المواد المخدّرة بشكلٍ تامّ.

 

طرق الوقاية

ما أبرز سُبل حماية أبنائنا من الإدمان؟ تشدّد الأستاذة ناصر الدين على أنّ أهمّ طرق الوقاية تبدأ من التوعية، وحول ذلك تقول: «إنّ وعي الأهل هو أوّل خطوة في سلّم الوقاية من المخدّرات، فعندما يتحلّون بالوعي الكافي حول خطورة تعاطي المخدّرات ونتائجه الكارثيّة، يمكنهم أن ينقلوا ذلك لأبنائهم عبر تحذيرهم من أخذ أيّ حبّة غير معروفة المصدر أو سيجارة من أحد، وعدم الوقوع في فخ (أوّل شمّة) التي تؤدّي إلى الإدمان. كذلك، يجب أن يعلم الأهل أنّ المشاكل العائليّة، والتفكّك الأسريّ، وعدم احتضان الأبناء، والنقص العاطفيّ عندهم وتعرّضهم لصدمات نفسيّة في الصغر، كلّها أسباب تأخذ بالمراهقين نحو أحضان المخدّرات التي يجدون فيها سعادتهم الوهميّة المؤقّتة، فتبدأ معها رحلة الإدمان».

تقدّم ناصر الدين نصيحة أخيرة، وهي ضرورة تفعيل الرقابة الأبويّة لما لها من دور كبير وأساسيّ في حماية الأبناء من المخدّرات، لذا، «على الأهل متابعة شؤون أبنائهم باستمرار، حتّى يعرفوا مع من يترافقون ويتعاطون ويسهرون، لأنّ رفاق السوء يشكّلون البيئة الأكثر خطرًا على المراهقين والشباب».

 

 

المصدر: نانسي عمر/ بقية الله

 

مواضيع مرتبطة

إستراتيجيات لغرس قيم التسامح والاحترام عند الأطفال مبكرًا

اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،

التعليم في أوقات الحرب: شريان حياة وسط مخاطر محتملة

يتعرّض الأطفال في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي

لماذا يتصرف الأطفال بشكل أفضل في وجود الأب؟

تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ