تصدّر خبر عصابة مغتصبي الأولاد المشهد العام في لبنان، في الأيام الأخيرة، فأصيب الأهل بالذهول والخوف والقلق؛ خصوصًا بعدما انتشر خبر انتحار ولدين من الضحايا.. لقد أدرك الأهل أكثر حجم الخطر المحدق بنا ومدى انتشار وحوش الغابات، فلا أحد بمأمن من التحرّش والاعتداء. فما هو الحل؟ ومن هم الأطفال الأكثر عرضة للتحرش والاعتداء؟ ما هي الأساليب التي يعتمدها الجناة؟ وما هي الحلول في حوادث كهذه؟
يجمع الخبراء على أن الأولاد الأكثر عرضةً للاعتداء هم الذين يشعر الجُناة بغياب الرقابة الأبوية عليهم أحيانًا، وضعفها أحيانًا أخرى. فهذا الفراغ يشكّل "فسحة أمان" للجناة يستطيعون من خلالها النفاذ إلى الضحية والتحكّم بها.
ما يؤكد هذا الأمر هو سلوك الجناة، والذي يظهر بصور مختلفة، يمكن إبرازها والتعرف إليها من خلال قضية التيكتوكرز :
1. بناء ثقة مزيفة: مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ورواج مدّعين أنهم صانعو محتوى ترفيهي أو ثقافي وغيرها وتوسّع شهرتهم، الأمر الذي يساهد بعض هؤلاء في بناء الثقة مع الضحية أسهل وأقل جهدًا. فالشهرة التي يكوّنها الفرد الرقمي في هذه المنصّات وظهوره على محطات تلفزيونية معروفة كفيلة بتزكيته عند متابعيه.
2. أصدقاء السّوء: يشكّل أصدقاء السّوء الصنارة التي تصطاد الضحية نحو الفخ، من خلال التزيين والاغواء والنصح والتأثير السّيء والتشجيع على ممارسة الموبقات. ومرافقتهم هي نوع من التربية، إنما تربية شائنة وغير خاضعة لقيم ومعايير أخلاقية واضحة.
3. وسائل التواصل الاجتماعي: سيّلت هذه الوسائل التواصل وسهّلت الوصول الى أي كان من دون مقدمات أو إثباتات أخلاقية وسلوكية واجتماعية تعكس الصيت الحقيقي للفرد. كما أتاحت لأي فرد رسم الصورة التي يهواها عن نفسه، حتى لو خالفت الواقع، تمامًا كالذئب الذي يلبس لباس الخروف.
4. تبادل الأفلام الإباحية والترويج لها: بين أصدقاء السوء أو الجناة أنفسهم. فهذا النوع من الأفلام يبسّط فكرة الاعتداء، ويوقظ لذة وهميّة عند الضحية، فتثير غرائزه الجنسية بشكل قد لا يمكنه السيطرة عليها.
5. الابتزاز: يختلف بحسب أخلاقيات الضحية، وقد يرتكز على خديعة بسيطة جدًا كأن يهدّد المبتز الضحية بإخبار الأهل بأنّها تتلفظ بألفاظ نابية. في الحقيقة لا حدود للابتزاز، فمن أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيدًا، مثل الابتزاز بنشر صور مخلّة بالآداب، فتقع الضحية فريسة الخوف، فجيري التحكّم بها.
7. المخدرات: من خلال خداع الضحية وجرّها الى التعاطي لتكون ألعوبة بيد الجناة.
- التحرّش بكل أشكاله: فهو الخطوة الأولى التي يقوم بها الجاني ليجسّ نبض الضحيّة، ويلاحظ انفعالاتها وردود أفعالها. ويحدث عادة قبل الاعتداء وتمهيدا له.
8. الطعام المخدّر والمحفّز جنسيًا: مثل تقديم الحلوى أو العصائر للضحيّة.
9. الإغواء: عبر فتاة تكون الطعم الذي يمهد الطريق للجاني. فالفتاة أقدر على كسب ثقة الضحية، بصرف النظر عن عمر الضحية.
تلك الأساليب كلها ترتبط، بشكل أو بآخر، بغياب أو ضعف الرقابة الأبوية على الأبناء. لأنّها لا يمكن أن تحدث أو تتكرر - إن صدف وحدثت - إلّا من خلال فجوة مرئية للجناة.
لكن ضعف الرقابة ليس السبب الوحيد الذي يؤدي الى حدوث التحرش أو الاعتداء. فما هي الأسباب؟ ومن هم الأولاد الأكثر عرضة للتحرش والاعتداء؟
هنا لا بد من الانتباه إلى أن دور الأهل يشكّل الحيّز الأكبر من الأسباب؛ لأنّه يشكل الحيّز الأكبر من الوقاية؛ ولأنهم المسؤول الأول عن تربية الأبناء وحمايتهم. ولذلك تعدّ الأمور الآتية من الممّهدات لكسر حواجز الحماية والوقاية للأبناء:
- السماح للأبناء باقتناء هاتف خاص، أو استخدام الهاتف أو أي وسيلة تكنولوجية لمدة طويلة من دون رقابة. ففي هذه الحال؛ يضع الأهل أبناءهم في ساحة خالية منهم، حيث تصبح الاحتمالات كلها واردة.
- ضعف الإشباع العاطفي: تؤدي انشغالات الأهل، في كثير من الأحيان، إلى ابتعادهم عن التواجد مع أبنائهم بشكل دائم، وهذا يحرم الأطفال الحبّ والمودة والاحتضان. فهذه العوامل هي الأكثر أهميّة في بناء الثقة بين الأهل والأبناء.
- القسوة: هذه المعاملة تثير خوف الطفل أو المراهق، فينفر من أهله، ويتوقع دومًا عقابًا قاسيًا منهم على أي هفوة قد يقوم بها، فكيف يخبرهم أنّه يتعرض للتنمر أو التحرش؟!
- الألفاظ النابية: إذا اعتاد الأطفال سماعها في المنزل أو خارجه، فهي لا تختلف عن مشاهدة مقطع إباحي. فقد يسمع الأولاد هذه الألفاظ من البرامج التلفزيونية أو من الأقارب أو الأصدقاء، لكن أكثرها تأثيرًا وتسييلاً للخلق السيء عندما تصدر من الأهل؛ والذين من المفترض أنهم القدوة الأولى للأبناء.
- تنافي سلوك الأهل مع الحشمة والتعفّف: يلبسون لباسًا فاضحًا في المنزل أو خارجه، أو يتصرفون بشكل غير لائق مع الجنس الآخر، أو يعمدون إلى إلباس أبنائهم ملابس غير محتشمة. هذا النوع من الفضاء الاجتماعي يجعل الطفل يعتاد على مشاهد مخجلة، أخلاقيًا وسلوكيًا، حيث تصبح بنظرهم عادية. وهذا المناخ الاجتماعي المتفلّت يساعد الجاني بشكل أسرع في استدراج ضحيته.
- عدم احترام قواعد الاختلاط: إنّ عدم وضع حدود واضحة للتفريق في العلاقة بين الجنسين، يجعل الطفل أو الفتى اليافع يعتقد أنّ كل شيء مباح أمامه للتحدث مع الطرف الآخر.
- المبيت خارج المنزل من دون الأهل: حتى لو كان هذا المبيت عند الأقارب والأصدقاء، تكراره دومًا، يجعل الطفل يستسهل مسألة الابتعاد عن الأهل، ولا تنسَ أن هناك العديد من الحوادث تقع خارج دائرة اهتمام الأهل.
- خلوة الأبناء في غرفهم مع هواتفهم أو هواتف أهلهم: هي من أخطر الأمور التي لا ينتبه إليه معظم الأهالي، فهي ساحة مفتوحة يتسرّب إليها "ما هبّ ودبّ" من أشخاص وسلوكيات وأفكار.
- غياب الحوار عن الجو الأسري: هذا يؤدي إلى إحداث هوة عميقة في التواصل بين الأهل والأبناء. فلا يستطيعون معرفة ما يجري مع أبنائهم، ولا يتمكّنون من توجيههم وتربيتهم في المواقف المختلفة. كما أن غياب الحوار يسهم في لجوء الأبناء إلى آخرين، من "يسمعهم ويفهمهم".
- مشاهدة المسلسلات والبرامج التي تحتوي على مشاهد غير لائقة أو ترتكز على الموبقات والأحداث المنافية للقيم الأخلاقية والاجتماعية.
إنّ هذه المعايير هي العامل الأساسي والممهد لأي حادث استغلال أو تحرش قد يقع فيه أبناؤنا.. فالسلوك القويم والبيئة السليمة والمعافاة التي يحاط بها الأبناء، بالاضافة إلى خلق جو من الحوار والود والتراحم في كنف الأسرة، يعزز التربية السليمة ويبنى حواجز شاهقة في وجه أي وحش كاسر يريد أن ينقض على فلذات أكبادنا. كما أن اعتماد روتين حياتي موحّد بين الأهل والأبناء وعدم فصل بينهما تحت مسمّى "مساحتي الخاصة" و"خصوصية الأبناء" وغيرها يعدً من ركائز الرقابة والتحصين الأسري.
أما في حال – لا سمح الله – حدث التحرش أو الاعتداء لسبب أو لآخر، فهنا يجب على الأهل التحلّي بالحكمة والرويّة وعدم إلقاء اللوم على ابنهم/الضحيّة، بل الإسراع الى مواكبته لمعالجة تبعات التحرش أو الاعتداء الجسدية والنفسية والاجتماعية باللجوء إلى متخصصن "ثقة"- نشدّد على كلمة "ثقة"- والسعي إلى محاسبة الجناة مهما كان الثمن.
في القضية الحالية التي يشهدها لبنان، الاعتداء السّافر على القصّر، أوّل خطوة تؤخذ لمعالجة الموضوع خارج عنوان "الإعدام أولًا" للمجرمين تعد خطوة ناقصة. ذلك؛ لأن الضحايا ي يبدأوا رحلة العلاج السليمة يجب أن يشعروا بتحقق العدالة في من تسبّب لهم ولغيرهم هذا الأذى الفادح جدًا.
إنّ إعدام هؤلاء الجناة حقّ واجب للضحايا أولًا، وللمجتمع ثانيًا، إذ لا يمكن تحقيق العدالة، ولا يمكن أن يسود النظام من دون قصاص حاسم.
أحد أكثر المخاوف التي تعتري الأمهات في أماكن النزوح هي عدوى الأمراض بين الأطفال..
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال