في دراسة جديدة: الارتباط الآمن بالآباء يعزّز ثقة الأبناء ويكسبهم القدرة على تجاوز صعوبات الحياة

في دراسة جديدة:  الارتباط الآمن بالآباء يعزّز ثقة الأبناء ويكسبهم القدرة على تجاوز صعوبات الحياة

تشكّل هذه العلاقة أساس قدرة الطفل على إقامة اتّصالات صحيّة مع الآخرين، مثل التعاطف والتفهم والحبّ، ويجري تعلّمها أوّل مرّة خلال مرحلة الطفولة.

من المعروف أنّ ارتباط الأبناء بالآباء يُعدّ علاقة غريزيّة في جميع المخلوقات. ومع أنّ هذه العلاقة طبيعيّة وبديهيّة تمامًا، فإن توصيف هذا «الارتباط (attachment)» بـ«الآمن» هو الذي يحتاج لتوضيح وشرح. 

لذلك؛ كتب الباحثون في علم النّفس الإكلينيكي أو السّريري في «عيادة كليفلاند (Cleveland Clinic)» مقالة عن معنى الارتباط الصحي بين الآباء والأبناء ومقوماته، ونشرت هذه المقالة في نهاية شهر أيار/ مايو من العام الحالي في الموقع الطبي الإلكتروني لـ«علم النّفس المبسّط (Simply Psychology)».

الطفل والأب

يحدث الارتباط بين الطفل والمحيطين به، في مرحلة مبكرة جدًا، من العمر تقريبًا بعد نحو 6 أسابيع من الولادة، ويستمر حتى يبلغ الرضيع ما بين 6 و8 أشهر؛ حيث يبدأ الطفل في تكوين تفضيل لشخص معين. 

في الأغلب يكون هذا الشخص هو الأم. ويظهر الضيق عند فصله عن الأم على صورة البكاء، ويرتاح لوجودها بجانبه. ولكن هذه المشاعر لا تكون بالنضج الكافي لتمييز الأم في هذه المرحلة، إذ يحدث بعد ذلك الارتباط الواضح في المرحلة ما بين 6 و8 أشهر وتستمرّ حتى عمر 18 أو 24 شهرًا، حيث يلتصق الطفل بأمه تقريبًا ويظهر القلق والحزن عند فصله عنها.

أوضح الباحثون أنّ الارتباط الآمن هو الذي يحدّد شكل العلاقات الاجتماعية للطفل لاحقًا في البلوغ، ويكسبه القدرة على تكوين علاقات صحيّة مع مرور الوقت؛ بدءًا من تعزيز احترام الذات، إلى تحسين المرونة في التعامل مع الآخرين. 

لقد لاحظ العلماء، عبر التّجارب السّريريّة، أنّ سلوكيات الأطفال وردود أفعالهم عندما يحدث انفصال قصير بينهم وبين ذويهم ثم إعادة لمّ الشمل بعد ذلك بمدة بسيطة، شملت صفات مميزة لأربعة أنماط رئيسة للارتباط، وكانت على الترتيب الآتي:

1.    «الارتباط الآمن (Secure)» 

2.    «الارتباط المقاوم للقلق(Anxious-resistant)»  

3.    «الارتباط الذي يتميز بالتجن(Avoidant)»  

4.    «الارتباط غير المنظم (disorganized attachment)».

من بين هذه الأنماط الأربعة لارتباط الطفل بوالديه، أو من يحلّ محلّهم، يرى الباحثون أنّ جميع الأنماط باستثناء «الارتباط الآمن» غير آمنة؛ والسّبب في ذلك أنّ إحساس الأمان هو الذي يتيح للطفل الثقة بالأبوين والتعلّم منهما والتطوّر بعد ذلك بشكل تلقائي. 

إذ تبيّن أنّ الأطفال الذين تمتعّوا بالرعاية الكافية من الآباء والشّعور بالأمان كانوا أقل توترًا، وأخفّ حدّة في ردود الفعل، وأيضًا، أكثر استعدادًا لتجربة أشياء جديدة، ولديهم حبّ الاستكشاف. كما كانوا أفضل في حلّ المشكلات، وتمتّعوا بعلاقات اجتماعيّة أفضل بالآخرين.

علاقة متوازنة

أكّد العلماء أنّ الارتباط غير الآمن لا يعني بالضرورة الإيذاء المباشر للطفل أو تعنيفه، ولكنّ مجرد التخلّي عنه، أو عدم الاهتمام به بالشّكل الكافي، أو الاهتمام المشروط بالطفل؛ بمعنى إساءة المعاملة في نوع من العقاب في حال ارتكاب الطفل خطأ معينًا، هي أمور بحدّ ذاتها تؤدّي إلى عدم إحساسه بالآمان. 

لذلك؛ جرى تصنيف كلّ الأنماط حتى «المقاومة للقلق» بـ«غير الآمنة»؛ لأنّ الطفل يجب أن يشعر بالاهتمام والحبّ، بغض النظر عن سلوكه أو الأزمات التي يمكن أن يتعرّض لها؛ ما يجعله يشعر بالاطمئنان؛ والعكس صحيح تمامًا. وعندما يكون لدى الأطفال تجارب سلبيّة أو غير متوقّعة مع الآباء يتولّد لدى الطفل قناعة أنّه لا يمكن الاعتماد على البالغين عمومًا، ويجد صعوبة في الثّقة بالآخرين بسهولة.

نصح الباحثون الآباء، بضرورة عمل علاقة متوازنة بالأبناء، حيث تشمل الحميميّة والاستقلاليّة في الوقت نفسه حتى يتمكّن الأبناء من اتّخاذ القرارات من تلقاء أنفسهم، ويكتسبون الثقة بقدراتهم الإدراكيّة. 

ليس معنى الارتباط الآمن أن يقوم الآباء بملازمة الأبناء طوال الوقت ومحاولة حمايتهم الّدائمة، هذا قد يؤدّي في النهاية إلى فصلهم عن بيئتهم ومجتمعهم، وعدم اكتسابهم أي خبرات، ويجعل منهم شخصيّات اتكاليّة، ويشعرون بالفزع في حال انفصالهم عن الآباء لسبب أو لآخر.

هناك بعض المؤشرات والأمثلة التي توضّح للآباء أنّهم في علاقة صحيّة بأطفالهم يحكمها الحبّ والاحترام، وليس الخوف والحرص على عدم العقاب، مثل الاستجابة الإيجابيّة لعودة الوالدين إلى المنزل بعد العمل، وفرحة الأطفال والرغبة في مشاركتهما تفاصيل اليوم. 

ينعكس ذلك على الأطفال في تعاملاتهم مع الآخرين التي تتسم بالودّ والثقة، ويكسب الأطفال القدرة على اللّعب في مناطق جديدة ومع أصدقاء جدد من دون خوف، ورغبة في خوض التجارب المختلفة مع الشّعور بالراحة وعدم الرهبة.

من أهمّ العلامات أن يقوم الأبناء بتفضيل قضاء الوقت مع الآباء أكثر من الغرباء، وأيضًا مطالبة الآباء باستمرار بقضاء وقت إضافي للراحة في المنزل؛ ما يدلّ على استمتاعهم بوجودهم.

تبعًا لـ«منظمة طرائق توضيح المساعدة (HelpGuide.org)» وهي منظّمة غير ربحيّة تقدّم معلومات عن الصّحة النّفسيّة؛ فإنّ الارتباط الآمن يعزّز تطوّر المناطق المسؤولة عن العواطف والتواصل الاجتماعي في القشرة الأماميّة للمخ؛ حيث تشكّل هذه العلاقة أساس قدرة الطفل على إقامة اتّصالات صحيّة مع الآخرين، مثل التعاطف والتفهم والحبّ، ويجري تعلّمها أوّل مرّة خلال مرحلة الطفولة.

أكد علماء النّفس الإكلينيكي- السّريري أنّ الارتباط الآمن يُعدّ استثمارًا مدى الحياة؛ لأنّ فوائده لا تتعلق فقط بالأطفال، ولكن تنعكس بالإيجاب على الآباء أيضًا؛ سواء وقت رعايتهم أطفالهم وتمتعهم بالحميميّة والصّحة النّفسيّة مع عائلاتهم، ولاحقًا في عمر الشيخوخة حيث يتمتّع هؤلاء الذين ارتبطوا بعلاقة جيدة بأبنائهم بصحبتهم وصحبة الأحفاد في الكبر في الوقت الذي يحيط بهم الفراغ والوحدة، وهو الأمر الذي يكون وقاية من كثير من الأمراض النّفسيّة والعضويّة أيضًا.

 

 

* استشاري طب الأطفال

المصدر: موقع سيدتي
 

مواضيع مرتبطة

اكتشفتَ أن ابنك يدخن؟.. هذا ما عليك فعله فورًا

تصرفك الأول حيال هذا الأمر سيكون مفتاح نجاح علاجك للمشكلة أو فشلك..

دورة تعليمية في اللغة الفارسية للأطفال..انضموا إليها

تهدف إلى إياد فرص نادرة للأطفال لتعلّم لغة أخرى؛ إضافة إلى لغتهم الأمّ.

كيف تجعلين طفلك يحبّ شهر رمضان ويرغب بالصوم؟

الطفل يحبّ كل ما هو جميل ومدهش، خصوصًا عندما يتغيّر الروتين اليومي للعائلة.

كلمات مفتاحية

صحة_أطفال نصائح