من GPT-5 إلى AGI.. مسار تطوّري يكشف تحولات الذكاء الصناعي وتحديات التقدّم المسؤول

من GPT-5 إلى AGI.. مسار تطوّري يكشف تحولات الذكاء الصناعي وتحديات التقدّم المسؤول

مع بلوغه هذه المقدرة المدهشة؛ لكنه لا يزال يفتقر إلى مرونة الذكاء البشري.

علي أبو الحسن/ العهد الإلكتروني

في السنوات القليلة الماضية، أصبحت تقنيات الذكاء الصناعي حاضرة في حياتنا اليومية، ليس فقط عبر تطبيقات مثل الترجمة الآلية أو المساعدات الذكية، بل من خلال نماذج لغوية متقدمة أثارت دهشة العالم، مثل  GPT-3  وGPT-4.  و Deep Seek و Gemini وغيرها. هذه النماذج فتحت آفاقًا جديدة في القدرة على المحاكاة اللغوية، لكنها أيضًا أثارت تساؤلات جوهرية: هل ما نراه الآن مجرد أدوات ذكية، أم أننا نقترب من بناء ذكاء عام صناعي AGI (Artificial general Intelligence) يشبه العقل البشري؟ لفهم هذا السؤال، لا بد من العودة إلى مراحل تطور الذكاء الصناعي، والتمييز بين ما وصلنا إليه وما ينتظرنا.

في بدايات الذكاء الصناعي، كانت النماذج قادرة على أداء مهام محددة بدقة عالية، لكنها لا تفعل شيئًا خارج هذه المهام. على سبيل المثال، كانت خوارزميات تحليل الصور تتعرف على الوجوه، أو تفرّق بين قطة وكلب، لكنها لا تستطيع إجراء حوار أو فهم النصوص. يُطلق على هذا النوع من الذكاء مصطلح "الذكاء الصناعي الضيّق"، لأنه محدود في نطاقه، ولا يمتلك أي فهم أو مرونة خارجه.

مع تطور تقنيات الشبكات العصبية العميقة، انتقل الذكاء الصناعي إلى مستوى جديد. أصبح بإمكان النماذج أن تتعلم من كميات ضخمة من البيانات، وتكتشف أنماطًا معقدة كانت مستحيلة سابقًا. هذه المرحلة أتاحت تطوير أنظمة قادرة على التفوق على البشر في ألعاب معقدة، والإسهام في التشخيص الطبي، وتحسين محركات التوصية. ومع ذلك، ظلت هذه الأنظمة فاقدة للوعي والفهم، إذ كانت تتعلم بشكل آلي، دون إدراك لما تفعله.

التحول النوعي حدث مع ظهور "نماذج اللغات الكبيرة"  (LLMs) مثل GPT-3 وGPT-4، وحاليًا GPT-5 والتي استطاعت التعامل مع اللغة البشرية بشكل مذهل. أصبحت هذه النماذج قادرة على الكتابة، والبرمجة، وتفسير النصوص، والرد على الأسئلة بمرونة غير مسبوقة. ما يميزها هو أنها لا تعتمد على قواعد صلبة، بل تتعلم الأنماط اللغوية من ملايين النصوص. ورغم أن أداءها يوحي بالذكاء، إلا أنها لا تفكر ولا تفهم، بل تولّد الكلمات بناءً على احتمالات وتراكيب إحصائية. وهذا ما يجعلها تبدو ذكية، دون أن تكون واعية فعلًا.

المرحلة التالية في هذا التطور هي "الذكاء متعدد الوسائط"، الذي يجمع بين القدرة على فهم النصوص، وتحليل الصور، والتفاعل الصوتي في نموذج واحد. نماذج مثل GPT-4o تمثل هذه القفزة، حيث يمكنها قراءة صورة، وشرح محتواها، والرد صوتيًا على استفسارات المستخدم، وكل ذلك بطريقة سلسة. هذه القدرة على دمج الحواس والمصادر المختلفة للمعلومة تقرّب الذكاء الصناعي أكثر من التجربة الإدراكية البشرية.

على الرغم من كل هذا التقدم، فإن "الذكاء العام الصناعي" (AGI) لا يزال هدفًا لم نصل إليه بعد. AGI يشير إلى ذكاء صناعي يمكنه أداء أي مهمة عقلية يقوم بها الإنسان، مع القدرة على التكيّف، والتعلّم المستقل، والتفكير المجرد، واتخاذ قرارات جديدة. ما نمتلكه اليوم هو نماذج قوية، لكنها تعمل ضمن حدود ما تعلّمته، ولا تمتلك فهمًا سببيًا، أو إدراكًا ذاتيًا، أو نية حقيقية.

نحن نقف اليوم عند مرحلة يمكن تسميتها بـ "الذكاء المتقدم الضيّق"، أو الذكاء متعدد المهام، القادر على أداء طيف واسع من الأعمال، لكنه لا يزال يفتقر إلى مرونة الذكاء البشري. النماذج الحديثة مثيرة للدهشة، لكنها لا تفهم العالم كما نفهمه نحن، ولا تمتلك ذاكرة طويلة المدى بالمعنى الحقيقي، ولا تبني تجارب متراكمة كما يفعل الإنسان.

المستقبل يحمل وعودًا كبيرة. العلماء يعملون على تحسين قدرة النماذج على "التعلّم المستمر"، ودمجها بوكلاء أذكياء (Agents) لديهم "ذاكرة، ومنطق، وأهداف". كما يتم تطوير آليات لجعل النماذج تتعلم من التجربة، وتخطط للمستقبل، وتتفاعل مع البيئات بطريقة ديناميكية. لكن مع هذه التطلعات، تظهر تحديات أخلاقية وفلسفية، تتعلق بالسيطرة، والخصوصية، والنية، وربما حتى بالهوية الإنسانية.

إذا طوّر الذكاء العام الصناعي AGI من دون ضوابط ومعايير حوكمة واضحة، فقد نواجه مخاطر تتجاوز مجرد الأخطاء البرمجية. لهذا، تؤكد مؤسسات رائدة مثل OpenAI وDeepMind على أهمية التطوير المسؤول، وعلى ضرورة التعاون الدولي لضمان أن تكون هذه التقنيات في خدمة الإنسان لا خطرًا عليه. الأمر لا يتعلق بالتقنية وحدها، بل بكيفية استخدامها، ومن يملكها، ولأي غاية تُستخدم.

الانتقال من GPT-5 إلى AGI ليس مجرد تطور تقني، بل نقلة فلسفية وإنسانية. إننا نقترب من بناء أنظمة قد تشاركنا التفكير، وربما القرار. وهذا يفرض علينا أن نكون على وعي، لا فقط بما تستطيع هذه النماذج أن تفعله، بل بما ينبغي أن نسمح لها بأن تفعله. الطريق إلى الذكاء العام الصناعي مليء بالفرص، ولكنه يتطلب أيضًا  مسؤولية جماعية لبناء مستقبل يوازن بين الابتكار والسلامة، بين القوة والتوجيه، وبين الطموح والإنسانية.

مواضيع مرتبطة

«ديب سيك» الصينية تطلق نموذجا محدثا للذكاء الصناعي

الإصدار ديب سيك في3.1 نموذج مطور ببنية استدلال هجينة

«Sber» الروسية تطلق أول سوار دفع إلكتروني مخصص للصغار

وعدت مؤسسة "Sber" بطرح السوار الذكي للبيع خلال خريف العام الجاري.

مبتكر ChatGPT: الذكاء الصناعي بلغ مرحلة الفقاعة

سوغ الإنفاق على البنية التحتية ومراكز البيانات بـ:"الطلب المتزايد على خدمات الشركة".