لماذا يثير "الأكل الإدراكي" كل ذلك الجدل على التيك توك؟

لماذا يثير

هل تعزز هذه الفلسفة علاقة صحية مع الطعام وصورة الجسم ؟

حمية غذائية تستند إلى فلسفة قديمة تعود إلى الواجهة عبر منصة تيك توك، عشرات من مقاطع الفيديو المصورة لمؤثرين يتحدثون عن "الأكل الحدسي" أو "الإدراكي"، ومئات الآلاف من المتابعين والمعلقين يدعون إلى إعادة النظر في العلاقة بالطعام والتخلي عن الأنظمة الغذائية القاسية.

ما الأكل الإدراكي؟

الأكل الإدراكي ليس نظاما جديدا، لكنه حظي بشعبية مؤخرا بصفته حلًا للتصالح مع الجسم وفهمه بدلا من إخضاعه قسرا لتجارب قاسية قد ترتد عكسيا. في سبعينيات القرن الماضي كانت اتجاهات الجمال والموضة تميل بشدة إلى تشجيع النحافة الزائدة فيما عرف بـ"جمال الهيروين"، وكان هناك هوس بخسارة الوزن واتباع أنظمة غذائية صارمة أو غريبة.

في العام 1995 ونتيجة وعي متزايد بالتأثير السلبي للحميات الغذائية الصارمة على الصحة النفسية والجسدية طرحت خبيرتا التغذية إيفلين تريبول وإليز ريش كتابا بعنوان "الأكل الحدسي.. نهج ثوري مضاد للأنظمة الغذائية". وكان الكتاب يناشد القراء التخلي عن الحميات الغذائية القاسية والتركيز بدلا من ذلك على أنماط الجوع والشبع الطبيعية في أجسامهم.

الكتاب -بحسب تقرير على شبكة "إيه بي سي"- ظهر نتيجة إدراك الخبيرتين عدم جدوى الأنظمة الغذائية التي كانتا تصفانها للمرضى، كانتا تصفان أنظمة تعتمد على سعرات حرارية ووجبات غذائية محددة، لكن بعض المرضى كانوا يواجهون صعوبة في الالتزام بالأنظمة وفقدان الوزن، مما كان يؤثر في ثقتهم بأنفسهم وصورتهم الجسدية. تريبول اكتشفت أنه لا يجب الإملاء على الناس ما يأكلونه "بل مساعدتهم على فهم ما يحدث في أجسامهم.

تعزز هذه الفلسفة علاقة صحية مع الطعام وصورة الجسم، ويكمن جوهر الأكل الحدسي في التمييز بين الجوع الجسدي والعاطفي، مشجعا الأفراد على إعطاء الأولوية للاحتياجات الجسدية مع إدارة رغباتهم العاطفية.

القواعد العشر

يتكون نهج الأكل الحدسي من 10 مبادئ توجيهية تدعو إلى إعادة تعريف الطعام وعلاقة الشخص به من دون حرمان، ويركز الأكل الحدسي على كيفية تناول الطعام لا على ماهيته، حيث يعلّم الأفراد استعادة حدسهم بشأن الطعام ليتعلموا كيفية تلبية رغباتهم وفهم إشارات الجوع لديهم، وذكر تقرير على "بي بي سي" هذه المبادئ:

1- رفض عقلية الحمية الغذائية

عدم الانخداع بثقافة النحافة والحميات السريعة، حيث إنها غير فعالة على المدى الطويل وتضر بالصحة الجسدية والنفسية.

2- احترام الجوع

ضرورة الاستجابة لإشارات الجوع عند ظهورها وعدم تجاهلها استنادا إلى توقيت أو قواعد خارجية.

3- التصالح مع الطعام

كل الأطعمة مسموحة، ولا يجب تصنيفها "جيدة" أو "سيئة"، فالاستمتاع بها جزء طبيعي من علاقة صحية مع الأكل.

4- التخلص من الشعور بالذنب

مراجعة الأفكار والقواعد الصارمة التي تحكم العلاقة بالطعام، والتخلص من الشعور بالذنب المرتبط به.

5- احترام الشبع

التوقف عن الأكل عند الشعور بالامتلاء المريح، وتدريب النفس على الأكل ببطء ووعي.

6- اكتشاف الرضا

اختبار أطعمة تسعد الشخص، وتوفير بيئة مريحة عند تناول الطعام لتحقيق متعة ورضا حقيقيين.

7- التعامل مع المشاعر دون اللجوء للطعام دائما

من الطبيعي استخدام الطعام للراحة أحيانا، لكن من المهم تطوير وسائل بديلة للتعامل مع المشاعر، وإدراك أن الطعام لا يحسنها.

8- احترام الجسم

تقبّل شكل الجسم كما هو، والابتعاد عن معايير الجمال غير الواقعية، والتركيز على العناية بالجسم لا تغييره.

9- ممارسة الحركة

ممارسة النشاط البدني من أجل الشعور الجيد، لا لإنقاص الوزن فقط.

10- احترام الصحة بالتغذية اللطيفة

اتباع تغذية مرنة ومغذية دون السعي للكمال، فالمتعة والتنوع جزءان من نمط حياة صحي ومستدام.

انتقادات مشروعة

على الرغم من تزايد شعبية الأكل الحدسي فإنه واجه انتقادات على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أنه يبدو مخصصا فقط للأشخاص ذوي الأجساد النحيفة.

كما عبر البعض عن تحفظهم، معتبرين أن هذا النهج قد يتجاهل علم تنظيم الوزن ولا يولي أهمية لفوائد فقدانه لدى البعض. وانتقادات أخرى طالت تحريف رسالته، إذ يروج له أحيانا كوسيلة لفقدان الوزن رغم أن مبتكرتيه أكدتا أن نتائجه تختلف من شخص لآخر، وأن البعض سيفقد الوزن من خلال اتباعه وسيحافظ آخرون على أوزانهم كما هي. وتعرضت رسالة الأكل البديهي في بعض الأحيان للتحريف حتى من قبل المرجوّين له. واختصاصية التغذية تريبول حذرت من اختزال الفكرة من قبل البعض إلى مجرد "كل عند الجوع وتوقف عند الشبع"، مؤكدة أن الأكل البديهي هو رحلة تشمل جميع مبادئه العشرة.

أشارت تريبول إلى أنه أسيء فهمه أحيانا على أنه دعوة لتناول الوجبات السريعة بحرية، لكن الفكرة الأساسية -كما أكدت- هي التحرر من الشعور بالذنب تجاه الطعام، مما يمكّن الفرد من اتخاذ قرارات غذائية متوازنة وشخصية تبنى على الراحة والوعي لا على القيد والعقوبة.

كيف تبني علاقة صحية مع الطعام؟

في 2025 نصح دعاة قبول الجسم والمؤثرين على تيك توك المناهضين للأنظمة الغذائية الصارمة بإقامة علاقة إيجابية مع الطعام، وهو نفس ما تنصح به مؤسسة "أفلون هيلز" المختصة بعلاج اضطرابات الأكل، وذلك من خلال:

1- البدء بخطوات صغيرة:

ضبط إشارات الجوع والشبع، وتدوين اليوميات لتتبع تأثير مختلف الأطعمة على الحالة الجسدية والنفسية.

2- التخلص من قواعد الطعام:

السماح للنفس بتناول أطعمة متنوعة دون إصدار أحكام، مع التركيز على الكمية.

3- إعطاء الأولوية للحركة الممتعة:

تحويل التركيز من التمارين الرياضية كوسيلة لحرق السعرات الحرارية إلى أنشطة ممتعة.

4- طلب الدعم:

العمل مع متخصصين يمارسون مبادئ الأكل الحدسي للتوجيه.

5- ممارسة التعاطف مع النفس:

إدراك أن تغيير المعتقدات الراسخة يتطلب بعض الوقت.

مواقع إلكترونية