هل يهدد «الذكاء الفائق» مستقبل البشرية؟ بين وعوده المذهلة ومخاطره المحتملة، يبقى السؤال: هل سنبقى متحكمين في مصيرنا أم ستتجاوزه الآلات؟
منذ لحظة اختراع الإنسان لأول أداة بيديه في العصر الحجري القديم، شكّل العقل البشري حجر الزاوية في مسيرة التقدم. عبره ابتُكرت الاختراعات، وازدهر الأدب، وتكشّفت أسرار الكون. إلا أن هذا العقل ذاته يواجه اليوم تحديًا لم يكن في الحسبان: هل تستطيع الآلة أن تتجاوزه، بل أن تصبح أكثر ذكاءً وإبداعًا منه؟
يُعرف هذا التحدي بمصطلح «الذكاء الفائق»، وهو ليس مجرد نسخة محسّنة من الذكاء الصناعي، بل نموذج متكامل يفوق القدرات البشرية في شتى المجالات. فكرةٌ فتحت الباب أمام وعود مذهلة، لكنها في الوقت ذاته تثير القلق من مستقبل قد تكون فيه الآلة سيدة القرار.
ما هو «الذكاء الفائق»؟
برزت فكرة «الذكاء الفائق» بوضوح في العام 2014 مع كتاب الفيلسوف البريطاني نيك بوستروم «الذكاء الفائق: المسارات، المخاطر، الإستراتيجيات»، الذي دقّ ناقوس الخطر بشأن إمكانية سيطرة أنظمة ذكاء صناعي متقدمة على العالم.
بعد مرور عقد، أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، أن «الذكاء الفائق» قد يتحقق في «بضعة آلاف من الأيام فقط»، في حين جمع شريكه إيليا سوتسكيفر مليار دولار لإنشاء شركة ناشئة مكرسة لهذا الهدف.
تطبيقات «الذكاء الفائق»: وعد كبير
وفقًا لتقارير منشورة في موقع «ميديوم»، يُعرف الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) بأنه منظومة لا تقتصر على تقليد ذكاء الإنسان، بل تتجاوزه على نحو شامل، لتمثل طفرة قد تُعيد تشكيل الحضارة بأسرها.
الوعود التي يحملها «الذكاء الفائق» تتجاوز الخيال: من حل الأزمات المستعصية كالأمراض وتغير المناخ، إلى تصميم تقنيات مستقبلية مثل المصعد الفضائي، ووصولًا إلى التنبؤ بالكوارث الطبيعية، وفهم ألغاز الكون الغامضة. إنه العقل الذي لا يتوقف عن التعلم، ولا ينفد منه الابتكار.
التحديات المستقبلية لـ«الذكاء الفائق»
ورغم الطفرات التي شهدناها أخيرًا، لا تزال معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية تندرج تحت ما يُعرف بـ«الذكاء الصناعي الضيق» (ANI)، أي أنها مصممة لأداء مهمات محددة، مثل المساعدات الصوتية أو أدوات الترجمة. أما «الذكاء العام» (AGI)، الذي يمكنه أداء مجموعة واسعة من المهمات، فلا يزال في مراحله «الناشئة»، كما توضح الباحثة، ميريديث رينجل موريس من «غوغل».
ورغم أن بعض الأنظمة مثل «ديب بلو» أو «ألفا فولد» قد تفوقت على الإنسان في مهمات محددة، فإن الذكاء العام الشامل لا يزال بعيد المنال، فحتى النماذج الأكثر تطورًا اليوم، مثل GPT-4، تُظهر أحيانًا علامات ذكاء، لكنها غالبًا ما تخطئ في مسائل منطقية بسيطة.
واحدة من أبرز العقبات هي الحاجة إلى كميات هائلة من البيانات، إضافة إلى أن الابتكار الحقيقي يتطلب «انفتاحًا على الاحتمالات»، وهي خاصية لم تتمكن النماذج الحالية من تحقيقها بالكامل، وفقًا لدراسات حديثة.
كما أن هناك من يشكّك في قدرة هذه الأنظمة على الوصول إلى ما يُعرف بـ«الكفاءة العامة»، وهي القدرة على التعلم المستقل والإبداع المستمر عبر مختلف المجالات.
المخاطر المستقبلية للذكاء الصناعي
هذا؛ وفيما يتقدم الذكاء الصناعي بوتيرة متسارعة، فإن المخاطر تتزايد أيضًا. فكلما ازدادت قدرات هذه الأنظمة، زادت استقلاليتها، ما يطرح تساؤلات حول سيطرة البشر عليها في المستقبل.
تُراوح المخاطر بين الاعتماد الزائد على الآلات، وتكوين علاقات اجتماعية وهمية مع برامج المحادثة، وصولًا إلى التهديد الأكبر: استخدام الذكاء الصناعي كأداة للاستبداد، كما حذّر بوستروم، عبر تقنيات المراقبة والتحكم الجماعي.
مع كل هذه التطورات، يبقى الهدف المعلن من تطوير «الذكاء الفائق» هو تعزيز رفاهية الإنسان وتحريره من أعباء الحياة اليومية. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل القلق الإنساني من فكرة وجود كيان أكثر ذكاءً منا، قد يهدد سيادتنا أو مكانتنا في هذا العالم.
جريدة الأحبار
جاء هذا التغيير بعد انقطاع عالمي واسع نجم عن تحديث خاطئ تسبّب بتعطل نحو 8.5 مليون جهاز .
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال