ماذا نعرف عن الموهوبين ذوي الخصوصية المزدوجة؟

ماذا نعرف عن الموهوبين ذوي الخصوصية المزدوجة؟

استخدام إستراتيجية بسيطة للعمل مع هؤلاء الطلاب وهي إستراتيجية التعليم المتمايز،

الطلاب ذوو الخصوصية المزدوجة يجمعون بين الموهبة والصعوبات، ويحتاجون إلى تشخيص دقيق وتعليم متمايز يكشف قدراتهم ويضمن دعمهم الفعّال.

لاريسا عصفور/ جريدة الأخبار

خلف كل عبقري مُساء فهمه، تكمن قصة طفل من ذوي الخصوصية المزدوجة (Twice-exceptional). إذًا، ما هي حقيقة كون الشخص مزدوج الخصوصية؟ ولماذا يزداد الاهتمام بهذه الفئة المهمشة في لبنان أساسًا؟

عادةً يُعرَّف المتعلمون ذوو الخصوصية المزدوجة بأنهم موهوبون ولكن لديهم صعوبة في الوقت نفسه. أولًا، يشمل كون الشخص موهوبًا أن يكون لديه قدرات عالية في مجال معين مثل الذكاء التحليلي، الاستعداد الأكاديمي، الإبداع، أو القيادة، أو القدرات الفنية والبصرية.

بعض خصائص هؤلاء الأفراد يمكن أن تتضمن، ولكن لا تقتصر على، الفضول، الانتقاد، مستوى الدافعية العالي، الحيوية والنشاط، والإحساس العالي بالمشكلات. يمكن أن يكون هؤلاء الأطفال موهوبين رغم وجود إعاقات جسدية، أو سمعية، أو بصرية، أو نطقية، أو غيرها. مثلًا في السمع، النطق أو النظر. قد تشمل الصعوبات الأخرى الاضطرابات العاطفية، الصعوبات التعليمية، التوحد، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه مع فرط الحركة (ADHD).

التحديات في تشخيص الموهوبين ذوي الصعوبات التعليمية

بينما يُعتبر مصطلح الموهبة مصطلحًا حقيقيًا ومحددًا جدًا لوصف مجموعة معينة من الأشخاص ذوي القدرات المرتفعة، فإن الخصوصية المزدوجة ليست كذلك، خاصة في لبنان حيث نادرًا ما يتم تلبية احتياجات هؤلاء الأفراد في المدارس والمؤسسات التعليمية، بسبب امتلاكهم لخصائص متناقضة.

وعليه يتميز هؤلاء الأشخاص بأنهم يتمتعون بخصائص غامضة لا يمكن تواجدها في عقول غالبية المعلمين والتربويين. لكن الدراسات الحديثة قد أثبتت عدم دقة هذا الادعاء. إذ تقدَّر نسبة عدد المتعلمين ذوي الخصوصية المزدوجة في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2023 بحوالي 0.2%، وهي نسبة مرتفعة إذا ما علمنا أن معظم أفرادها ممن لا يتلقون خدمات تتلاءم مع قدراتهم واحتياجاتهم الخاصة (تشيك، 2023).

كما تجدر الإشارة إلى أن النسب المئوية قد تتباين بشكل كبير وفقًا للتعريف المعتمد في كل منطقة أو دولة، لافتقار معظم هذه الدول لبروتوكولات شاملة وواضحة للكشف عن هذه الحالات الاستثنائية. ويزيد من صعوبة الكشف عنها تضارب عدم مقدرة التربويين على تحديد فيما إذا كان المتعلم موهوبًا أم من ذوي الصعوبات التعلمية مثلًا. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسات أجرتها سوزان باوم وأنيس الحروب إلى وجود خمس مجموعات من الموهوبين ذوي الصعوبات التعلمية: الموهوبون ذوو الصعوبات التعلمية الخفية، ذوو الصعوبات التعلمية الخفية والمواهب البارزة، ذوو المواهب والصعوبات التعلمية الخفية، ذوو المواهب وصعوبات التعلم الظاهرة، ومجموعة المتعلمين الذين يتلقون تشخيصًا تربويًا خاطئًا (الحروب، 2012).

من الواضح إذًا أنه يوجد الكثير من الفئات المختلفة التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عندما يحاول المعلمون الكشف عن حالة المتعلم.

ضعف الدعم المؤسسي وغياب السياسات التعليمية في لبنان

لسوء الحظ، غالبًا ما تؤدي هذه الصعوبات إلى إهمال المعلمين لاحتياجات هؤلاء الأفراد. هذا واضح لأنه يُقدّر بأن 1% فقط من الطلاب ذوي الخصوصية المزدوجة في الولايات المتحدة يتلقون الخدمات المناسبة (لي و ريتشوت، 2018).

تمبل غراندين كانت مثالًا رائعًا على ذلك. هي اختصاصية موهوبة في سلوك الحيوانات ولديها أيضًا توحد. لم تكن قادرة على التكلم حتى عمر الأربع سنوات، ما دفع الخبراء إلى التوصية بإدخالها إلى مؤسسة تُعنى بذوي الإعاقات الشديدة، معتقدين أنها لن تعيش بشكل مستقل أبدًا. ومع ذلك، حصلت هذه الطالبة على درجة الدكتوراه وأصبحت مثالًا رائعًا على نجاح الأشخاص ذوي الخصوصية المزدوجة. من الواضح أن التقليل من شأن قدرات هؤلاء الأشخاص قد شكّل أزمة تربوية عالمية تحتاج إلى الدراسة والمعالجة.

إستراتيجيات تعليمية فعالة لدعم أصحاب الخصوصية المزدوجة

بقدر ما يُتفق على أن الطلاب الموهوبين يحتاجون إلى خدمات إضافية للوصول إلى أقصى إمكاناتهم، فإن ذوي الخصوصية المزدوجة ليسوا مختلفين عنهم، بيد أن طرق القياس والتشخيص تحتاج إلى نماذج كشف أكثر شمولية تراعي فيها قدراتهم ومواهبهم وصعوباتهم على حد سواء.

غالبًا ما يتلقى هؤلاء الأفراد خدمات عادية لا تتلاءم مع قدراتهم وصعوباتهم، أو في أفضل الأحوال، قد تراعي صعوباتهم فقط، أو مواهبهم فقط، وهذا ما يشكل قضية تربوية ملحة يجب التعامل معها. فعدد من هؤلاء الأفراد لديهم الكثير من القدرات أو الصعوبات الخفية التي تستلزم استخدام أساليب حديثة في الكشف عنها كما أسلفنا سابقًا.

إذًا، ما هي الخطوة التالية؟

أولًا: من الضروري توعية المدارس وتدريب المعلمين على التعرف إلى فئة الطلاب ذوي الخصوصية المزدوجة، حتى يتمكنوا من تقديم خدمات تعليمية تتوافق مع نتائج الأبحاث المحلية والعالمية. ويمكن تحقيق ذلك عبر تنظيم ندوات، ورش عمل، أو كتابة مقالات توعوية في وسائل الإعلام التربوية.

ثانيًا: ينبغي على المعلمين، والمرشدين التربويين، وأولياء الأمور العمل معًا للكشف عن نقاط القوة والضعف لدى كل طفل، ليتم تصميم خطة تعليمية فردية تراعي هذه الخصائص وتتلاءم مع احتياجاته الخاصة.

ثالثًا: رغم أن التعريف العام بهذه الفئة يساعد على بناء فهم مشترك، إلا أنه من المهم تجنب تصنيف الطلاب في فئات جامدة أو مبسطة، لأن كل متعلم هو حالة فريدة من نوعها. وبالتالي، يجب معاملته بما ينسجم مع تميّزه الفردي، ما يساعده على التعبير الكامل عن إمكاناته الحقيقية.

الحاجة إلى تغيير شامل في النظرة التربوية

يمكن استخدام إستراتيجية بسيطة للعمل مع هؤلاء الطلاب ألا وهي إستراتيجية التعليم المتمايز، والتي يُقصد بها تغيير ما يتم تدريسه بناءً على احتياجات كل طفل، سواء بشكل فردي أو عبر مجموعات صغيرة. على سبيل المثال، قد يُمنح طفل موهوب في الرياضيات ولكن لديه صعوبة جسدية فرصة لحل مسائل متقدمة تعمق فهمه بما يتجاوز توقعات الصف الدراسي، شفهيًا.

قد يختار الأساتذة أيضًا تقليص المنهاج الدراسي لبعض هؤلاء الطلاب عن طريق تخطي المواد التي أتقنوها. ثم بإمكانهم استخدام الوقت الفائض للعمل على مشاريع استكشافية خارج المنهج الدراسي. من الجدير ذكره أهمية منح حرية اختيار موضوع ضمن مجال اهتمامهم للتعمق فيه. لتسهيل ذلك أكثر، يمكن للمدرسة ربط الطلاب بمرشدين خارج نطاق المدرسة يمكن تزويدهم برؤى قيّمة حول مجالات خبراتهم.

إذًا، عندما تؤخذ جميع الاقتراحات المذكورة أعلاه في الحسبان، لن يقتصر تصنيف أي طفل ذي خصوصية مزدوجة بناءً على صعوبته فقط، كما يجب الكشف عن قدراته بأفضل طريقة ممكنة لتقديم الخدمات المناسبة لهم. نحن، المعلمون، الآباء، ومقدمو الرعاية الصحية، تقع على عاتقنا مهمة الدفاع عن حقوق هؤلاء الأطفال.

يجب أن نكافح، خاصة في لبنان، لفرض تقديم الخدمات الملائمة لهذه الفئة وفئات أخرى من الموهوبين. هذا أمر حيوي لضمان عدم عرقلة تقدم المجتمع عبر تقييد إمكانات هذه الفئة غير المكتشفة والمهمشة، ثم الاستفادة من قدراتهم وإبداعاتهم للمساهمة في تغيير العالم إلى ما هو أفضل.

جريدة الأخبار

مواضيع مرتبطة

مع اقتراب الامتحانات ..إليك نصائح لتهيئة بيئة دراسية مثالية

عليك محاكاة ظروف الامتحان في المنزل من خلال إعداد اختبارات تجريبية.

كيف تساعدون أبناءكم في التعامل مع الضغط الدراسي؟

إذا كان ابنك طالبًا في هذه المرحلة ويشعر بالتوتر، تعرفي إلى هذه الأعراض ..

حرصًا على سلامة طفلك إليك 10 نصائح لشراء لعبة آمنة وممتعة

بعض الألعاب مزودة بعديد من الميزات التقنية، ما تعزز شعور طفلك بالنضج مع الاستمتاع باللعب الإبداعي.

كلمات مفتاحية

تربوية