هل صحيح أنّ الذكاء العاطفي محرّك أساسي لتنمية مهارات الطفل؟

هل صحيح أنّ الذكاء العاطفي محرّك أساسي لتنمية مهارات الطفل؟

زينب حمود/ "أمان الأطفال"

"هل طفلي ذكي؟"، ربما هذا هو السؤال الأكثر تواترًا في أذهان الأهل، مع تقدّم أطفالهم في سنوات عمرهم الأولى ومع دخولهم إلى المدرسة. إذ يسعى الأهل، منذ نعومة أظافر أبنائهم، إلى الاهتمام بالجانب التعليمي، فيشترون الألعاب التعليمية، ينتقون بعناية بالغة المدرسة التي سيرتادونها، ويحرصون كل الحرص على تحصيلهم العلمي وعلى نتائج العلامات آخر السنة. إلا أنه، وفي الآونة الأخيرة، بدأ الوعي يزداد أكثر فأكثر على أنواع الذكاء الآخرى المختلفة، والتي لا تقل أهمية أبدا عن الذكاء العلمي، ومن بينها الذكاء العاطفي.

ما هو الذكاء العاطفي؟

الذكاء العاطفي (EQ) هو القدرة في فهم عواطفك وعواطف الآخرين؛ وإدارتها بطريقة إيجابية لتخفيف التوتر، والتواصل بصورة فعَّالة والتعاطف مع الآخرين، والتغلُّب على التحديات والصراعات. كما يساعد الذكاء العاطفي في بناء علاقات أقوى والنجاح في الدراسة والعمل وتحقيق الأهداف المهنية والشخصية.

يشير العديد من العلماء إلى أنَّ الذكاء العاطفي أكثر أهمية من الذكاء العلمي أو الأكاديمي. ذلك أنَّ التجارب قد أثبتت أنَّ الأشخاص الذين يتحلًّون بالذكاء العاطفي يصلون إلى أعلى المراتب؛ حتى ولو كان تحصليهم المعرفي ليس عاليًا، بينما في حالات عديدة قد لا يستطيع الأشخاص الذين يفتقرون إلى الذكاء العاطفي النجاح في الحياة حتى لو كانوا أذكياء...

لذلك السؤال: كيف أنمّي ذكاء طفلي العاطفي في المنزل؟.

موقع "أمان الأطفال" أجرى مقابلة مع الاخنصاصية النفسية "بنين بريطع"، والتي لفتت إلى ضرورة تنمية هذه المهارة عند الأطفال. وهي تعدّ مهارة؛ لأنها لا تولد مع الطفل؛ بل تكتسب من خلال تجاربه في الحياة. وتكمن أهميتها بأنّها تُكسب الولد توازنًا نفسيًا من خلال القدرة على التعامل مع مشاعره وتفهمها. ولفتت إلى أن عبارات مثل "لا تبكي"، أو "مش محرزة"؛ تعيق تنمية هذه المهارة، وتترك الولد حائرًا لا يفهم مشاعره.

الذكاء العاطفي يزيد، أيضًا، من قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين؛ لأن التعاطف جزء أساسي منه، كما يزيد من ثقته بنفسه ويعزز هويته الداخلية. وأشارت الاختصاصية النفسية إلى أن تعزيز هذا التواصل يمكّن الطفل من العمل ضمن مجموعة وتكوين أصدقاء واتخاذ قراراته بنفسه.

لكن، كيف أنمي هذه المهارة في المنزل؟

وفقًا لـــ"بريطع"، الخطوة الأولى لتنمية هذه المهارة هي تعريف الطفل المشاعر، من خلال البطاقات أو القصص أو الكتب التعليمية. ويمكن من خلال النشاطات المنزلية ان يفهم مشاعره أكثر ليتكيف مع مختلف المواقف الحياتية اليومية.

كما شددت "بريطع" إلى ضرورة الابتعاد عن الصور النمطية السائدة في المجتمع، من قبيل أن "الرجال لا تبكي" و"الحزن ممنوع"، لافتة إلى ضرورة تعلّم الطفل أن المشاعر، أيًا كانت،  ليست عيبًا وهي طبيعية ولا توجد مشاعر جيدة وغير جيدة. والعمل معه يجب أن يتركز على كيفية التعبير عن هذه المشاعر بطريقة صحية، وكيف يتعامل معها.

في هذا السياق، قدّمت "بريطع" مثلاً؛ بالقول إن حتى مشاعر التوتر ضرورية، فلولا توتر الطالب قبل الامتحان، لن يدرس. وأكدت قد يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره في البداية، فقد يعبر بالرسم أو باللعب، أو من خلال لعب الأدوار مع إخوته.

كذلك من أهم النشاطات التي يجب أن تلتفت إليها الأم؛ هي الإنصات. فبعد عودة الطفل من المدرسة، يجب أن تنصت الأم والأب، على حد سواء، للطفل لمعرفة تفاصيل يومه، وأن يساعداه في تعلّم كيف يحل مشكلاته في المدرسة، إذ إن مهارة حل المشكلات جزء من الذكاء العاطفي.

تلفت الأختصاصية النفسية إلى مسألة، في غاية الأهمية وأساسية في عملية التنمية، وهي تصرفات الأمهات والآباء؛ لأنهم القدوة ومنهم سيتعلّم الطفل كيف يتصرف. إذ إن القصص والبطاقات والكتب لتعليم المشاعر، وكيفية إدارتها وضبط الانفعالات، وتمضية الساعات في تعليم الطفل هذه الأمور كلها، لا تكفي. سلوك الأهل العملي معه هو المؤثر بشكل أساسي.

كما تشير "بريطع"، في هذا السياق، إلى عدم قدرة الطفل في تعلّم مشاعر الحب، إذا لم تعبّر الأم عن هذه المشاعر يوميًا، ولم تشبعه عاطفيًا. وكذلك، لا يمكن أن يتعلّم الطفل كيف ينفس عن غضبه ويحلّ مشكلته بعيدا عن الصراخ، إذا كانت الأم تستعر غضبًا كلّما واجهتها مشكلة في البيت، أمام أطفالها، أو في العلاقة بين الأم والأب. لذلك؛ الأساس هو تصرفات الأهل التي ستنعكس حكمًا على تصرفات الأبناء. إذ مجرد ما تنمّي الأم ذكاءها العاطفي، وتبيّن لطفلها كيف تتعامل مع مشاعرها وتضبط انفعالاتها، هو سيتعّلم ذلك من دون أن تنطق بكلمة واحدة، عبر التقليد.

تنمية الذكاء العاطفي في المدرسة

لا تقتصر تنمية الذكاء العاطفي على المنزل؛ المدارس تؤدي دورًا مهمًا في هذا الإطار، خصوصًا تلك التي تولي أهمية لتنمية شخصية الطفل ككل، ولا تكتفي بالتحصيل العلمي. موقع "أمان للأطفال" تواصل مع المرشدة التربوية، في مدارس المهدي (عج)، زينب ترحيني، والتي لفتت إلى أن قسم الإرشاد التربوي يلاحظ هذا الجانب في شخصية الأطفال، ويوليه أهمية كبرى، مشيرة إلى تداخل عملية تنمية الذكاء العاطفي في أنشطة الأطفال.

كما تشير "ترحيني" إلى التنسيق القائم بين القسم وبين المعلمات، خصوصًا في السنوات الأولى، فإذا لاحظت المعلمات عند أطفال معينيين عدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم أو ضبط انفعالاتهم، يلجأ القسم إلى إجراء جلسات عدة لتنمية هذا الجانب عند هؤلاء الأطفال. وذلك؛ بتعريفهم المشاعر من خلال البطاقات التعليمية وقراءة القصص، والعمل معهم على التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية.

تؤكد المرشدة التربوية أن التعاطف يأخذ حيزًا كبيرًا في النشاطات، ويتابع القسم من خلال مراقبة أي سلوكيات عند الأطفال قد تشير إلى افتقارهم للتعاطف. كما يدير القسم التربوي جلسات جماعية للأطفال التلاميذ لتعليمهم التعاطف مع بعضهم البعض، وفهم مشاعرهم، وهو ما ينمّي ذكاءهم العاطفي.

أما في ما يخص تنمية مهارة حل المشكلات، تلفت "ترحيني" إلى صعوبة الضبط في المدارس، أحيانًا، حين يتعامل التلاميذ مع بعضهم البعض بعدوانية. وهو يشير إلى افتقارهم لمهارة حل مشكلاتهم بطرائق سلمية. هنا؛ يقع على القسم التربوي عاتق تنمية هذا الجانب عند الأطفال بتعويدهم على الإنصات والحوار واحترام مشاعر الآخر ومشاركة الأفكار.

ضمن البرنامج الإرشادي المعتمد في القسم التربوي، في مدارس المهدي، يراقب المرشدون على مدار السنة التلاميذ وينظمون الجلسات والورش والنشاطات الحركية. كما يعتمدون التقنيات المختلفة؛ منها تقنيات الاسترخاء أو التعبير بالرسم والتفريغ النفسي، لأهداف وقائية كي يرصدوا مشكلات الطفل ويساعدوه في تجاوزها.

أما عن دور المعلمات، فتشير "ترحيني" إلى أن القسم يرصد ما ينقص المعلمات في هذا المجال لسد أي ثغرة عبر الورش والجلسات والندوات، لافتة إلى أنه كان في هذا العام الاعتماد الأكبر على التفريغ النفسي، خصوصًا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على بلدنا.

مواضيع مرتبطة

كيف تساعدون أبناءكم في التعامل مع الضغط الدراسي؟

إذا كان ابنك طالبًا في هذه المرحلة ويشعر بالتوتر، تعرفي إلى هذه الأعراض ..

تأتأة الأطفال.. صوت متقطع وثقة لا يجب أن تنكسر

كلما تأخرت معالجة التأتأة، زادت آثارها النفسية.

علامات تخبرك أن طفلك يعاني اضطراب «تدهور النطق والكلام»

من المهم فهم الفارق بين تدهور النطق أو الكلام عند الأطفال ومشكلة تأخر الكلام المعتادة.

كلمات مفتاحية

نصيحة من متخصص