زينب حمود/ مختصة بالشأن التربوي
خاص موقع "أمان الاطفال"
نعيش في زمن يصعب معه ضبط أبنائنا؛ في ما يتعلق بوقت الشاشات واستخدام الهاتف واللعب بالأجهزة الإلكترونية. وفي وقت كثر الجدل حيال إيجابيات الإنترنت وسلبياته، ضاع الأهل بين فكرة حرمان الطفل من جهاز أصبح من "متطلبات العصر الحديث" وبين حمايته من مخاطر عديدة وكبيرة في حال لم يتعاملوا بحزم مع الوقت المخصص لهذه الأجهزة، وتركوا أبناءهم يصلون إلى حد ما بات يعرف حديثًا بـ "الإدمان الإلكتروني".
الإدمان هو الإفراط بالقيام بنشاط مادي أو معنوي بطريقة يعجز فيها الفرد عن التوقف عنه، ويسبّب له ألما جسديًا ونفسيًا. والإدمان الإلكتروني هو أحد أنواع الإدمانات على الإنترنت عبر استخدام الأجهزة والمواقع والألعاب الإلكترونية بطريقة قد يقضي الطفل فيها أو البالغ ساعات متسمرًا على شاشة هاتفه أو الأيباد أو أي جهاز إلكتروني، متجاهلاً كل نشاطات حياته اليومية الأساسية.
تُعرّف الدراسات النفسية الحديثة الإدمان الإلكتروني أنه اضطراب سلوكي يتسبّب بتغييرات في الدماغ مشابهة لتلك الناتجة عن إدمان المواد المخدرة. هذا السلوك المرضي له آثار سلبية خطيرة على الصحة العقلية والجسدية للفرد، فقد يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى اضطرابات النوم وزيادة الوزن. وعلى المستوى الاجتماعي، قد يدفع الإدمان الإلكتروني الفرد إلى العزلة، وتضعف علاقاته مع المحيطين به، بالإضافة إلى تراجع مستواه الدراسي أو إنتاجيته.
قضاء الأطفال والمراهقين ساعات طويلة على الإنترنت قد يكون الشغل الشاغل للأهالي، والذين تقع عليهم المسؤولية الأكبر لضبط هذا الاستخدام وتنظيمه، حتى لا يصل الطفل إلى مرحلة الإدمان.
الجدير بالذكر، هنا، أن هذه الحال المرضية لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل تأتي نتيجة استمرار السماح للطفل الصغير بمشاهدة اليوتيوب لمدة طويلة، حتى يجلبون له هاتفًا؛ فيدمن استخدام هذا الهاتف، ويصل إلى مرحلة المراهقة مدمنًا إدمانًا لا فكاك منه.
كيف نعرف أن إبننا مدمن على استخدام الإنترنت؟ موقع "أمان الاطفال" تواصل مع الدكتور في علم النفس التربوي مصطفى أبو سعد، والذي يعدّ من أول وأشرس المحذرين من خطورة الاجهزة الإلكترونية على أطفالنا في عالمنا العربي. أبو سعد وصف حال الطفل المدمن بأنه مختطف العقل، حيث يؤثر هذا الإدمان على وظائفه العقلية لجهة فقدان التركيز وانعدام النوم وتراجع الذاكرة وانخفاض في الطاقة الجسدية.
كما يؤثر الإدمان الإلكتروني بشكل كبير على العملية التعليمية للأطفال، فهو يسبب تدهورًا في خلايا الدماغ، ويؤدي إلى تأثيرات نفسية تتمثل بالاكتئاب، والانطواء والشعور بالوحدة. كما له تأثيرات فسيولوجية سلبية، إذ يؤدي إلى مشكلات في الرؤية مثل ضعف البصر واحمرار العينين، بالإضافة إلى السمنة وآلام في العمود الفقري.
عندما يقضي الطفل 4 إلى 6 ساعات، يوميًا، متسمرًا أمام جهازه الإلكتروني، ونرى هذه الأعراض، يكون قد أدمن على هذه الأجهزة. ولفت أبو سعد إلى أن هذه الإدمان أخطر حتى من إدمان المخدرات، وكلما بقي الهاتف أو الأيباد في يد ابننا مدة أطول زاد إدمانه وزدات حدة أعراضه حتى قد يصل إلى حد إهمال نظافته الشخصية.
أما بحال يوجد فوائد للإنترنت؛ وسيلة لتحصيل المعرفة مثلًا، كونه أضحى لغة العصر، أكد أبو سعد أن استخدام الإنترنت للبرمجة والتطور والإنجاز مفيد بالطبع، أما استخدامه لمشاهدة اليوتيوب وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لساعات هو لغة إهدار الوقت وإجهاد الدماغ المزمن وفقدان القدرة على التحفيز بأي شيء في هذه الحياة.
شرح الدكتور مصطفى أبو سعد لموقعنا كيف يمكن حماية أطفالنا من الإدمان الإلكتروني. المفتاح الأول والأبرز هو في الحزم والإرادة الصلبة ووضع القوانين وعدم استخفاف الأهل بها. في البداية، يمنع اقتناء هاتف قبل سن 14 للأطفال، ولحين ذلك يجب احتساب وقت للشاشة وفقًا لعمر الطفل من نصف ساعة إلى ساعتين في الحد الأقصى يوميًا، بالطبع مع مراعاة ما يشاهده.
كما لفت إلى ضرورة سحب الأجهزة، في أيام الدراسة، حتى لا تؤثر في مستوى الأطفال التعليمي، مشددًا على ضرورة ملء وقت الطفل بأنشطة بسيطة طبيعية؛ مثل: النزهة، الرياضة والمشي، حفظ القرآن الكريم والقيام بنشاطات خيرية.
تحدث، في هذا السياق، الدكتور أبو سعد عن مفهوم "صوم الدوبامين". والدوبامين هو هرمون السعادة يفرزه الدماغ بشكل مفرط عند استخدام الأجهزة الإلكترونية؛ حيث عندما نتوقف عن استخدامها نشعر بضيق شديد يشبه الامتناع عن تعاطي المواد المخدرة، ولا نعود نستمتع بأي شيء آخر في الحياة. وصوم الدوبامين هو الامتناع المؤقت عن القيام بأنشطة تحفيزية لهذا الهرمون في الدماغ، مثل تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة التلفاز بهدف إعادة ضبط الدماغ.
يضع أبو سعد قوانين لعلاج "إدمان الإنترنت". يؤكد أن نخفض كل يوم مدة استهلاكنا 10% من الوقت، حتى نصل إلى ساعتين فقط يوميًا. ويمنع استخدامه قبل ساعتين من النوم، أو اصطحاب الهاتف معنا إلى غرفة النوم أو عند دخول الحمام. ويجب أن نحدد يومًا لا نستخدم فيه الجهاز نهائيًا، أي في ما يتعلق بتصفح مواقع التواصل الإجتماعي أو مشاهدة مقاطع قصيرة سريعة.
حين يأتي موعد العام الدراسي؛ لفت أبو سعد إلى ضرورة تهيئة الطفل نفسيًا إلى العودة إلى المدرسة قبل 3 أسابيع إلى شهر لمساعدتهم في إعادة التكيف من خلال برامج إرشادية والتخلص من إدمانهم الإلكتروني.
يختم الدكتور أبو سعد حديثه بالتوجه إلى الأهالي ناصحًا إياهم الالتفات إلى أبنائهم ورعايتهم وتربيتهم، في مهمة تكاد تكون الأصعب والأجمل في آن، في زمننا الحالي الصعب.
يجب على الآباء محاولة فهم شخصية أطفالهم ومساعدتهم في فهم شخصيتهم وقبولها.
عند مواجهة الكذب، تجنب الغضب أو الاتهام المباشر، حيث قد يؤدي ذلك إلى دفع الطفل لمزيد من الكذب.
قد تكون مراقبة اقتراحات لوحة المفاتيح خطوة صغيرة، لكنها تفتح نافذة لفهم مشاعر الطفل.
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال