فلسطين؛ القضيّة والانتماء..كيف يتعرّف إليها أبناؤنا في المدارس؟

فلسطين؛ القضيّة والانتماء..كيف يتعرّف إليها أبناؤنا في المدارس؟

تلاميذ لبنان؛ ماذا يعرفون عن فلسطين؟ وأي سردية تاريخية تُقدم لهم؟

"فلسطين في الكتاب المدرسي اللبناني" غياب مقصود أم قصور معرفي؟

تغطية خاصة/ موقع "أمان الأطفال"

من يكتب التأريخ يسيطر على منظومة الثقافة والوعي للأمّة، ويقودها نحو مستقبلٍ متمأسس على هويّة يصنعها هذا التأريخ المكتوب في جزء كبير من سرديته. فيأتي جيل بعد جيل متبنيًا الرؤية عاملاً على تطويرها ليضمن استمراريتها. وهذه حقيقة أُدركتها الدّول منذ زمن طويل؛ خاصّة تلك التي امتلكت أسباب القوة والسّيطرة الميدانيّة على الجغرافيا بفعل الاحتلال الاستعماري. ويُعدّ احتلال فلسطين القضية المثال الأبرز على تأريخ أعيدت كتابته بأقلامٍ من الحبر الأسود التي طمست الحقائق كلّها لتعلو "قضية" في ما أسموه "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"؛ والتي كانت جسر العبور لبناء "الدولة اليهوديّة" على أنقاض فلسطين التأريخية.

في هذا السياق؛ يكمن الصراع الوجودي الذي يمتدّ لأجيالٍ. فكل طرفٍ يسعى إلى تثبيت سرديته التأريخية حفرًا في وعي كل جيل جديد. وليس هناك سلاح أمضى قوة ومنعة من سلاح الكتاب المدرسي؛ والذي يمثّل العمود الفقري لصناعة جيل محمّلاً ومشبعًا بالثقافة التي يكتبها القيّمون على هذا الصعيد. وفي لبنان؛ يشكّل الكتاب المدرسي محورًا أساسيّا في أزمة هويّته التي تلازمه منذ نشوئه في القرن الماضي وصولاً إلى اللحظة الراهنة. إذ كيف بنا نحتمل أن يقرأ أولادنا، في كتاب التأريخ والجغرافيا والأدب، أنّ "إسرائيل" دولة أصيلة في منطقتنا العربيّة والإسلاميّة؟..

هذه الإشكاليّة المعقدة في تناول قضية فلسطين في الكتاب المدرسي اللبناني يحمل همّها "مركز الأبحاث والدراسات التربوية"؛ والذي اختتم العام 2023 بتنظيم ندوة مسائية، يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان "فلسطين في الكتاب المدرسي" في قاعة المركز، بإدارة الدكتور عباس كنعان ومشاركة المشرف التربوي لـــ"مدارس المصطفى" الدكتور حسين عبيد والمدير العام للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم- مدارس المهدي الدكتور حسين يوسف، وبحضور نخب ثقافية وتربوية ودينية وأكاديمية.

عبيد: فلسطين المغيّبة مدرسيًا فعل ممنهج

استهلت الندوة بكلمة تقديم للدكتور عباس كنعان، وهو مدير تطوير المناهج في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، والذي رأى أنّ القضية الفلسطينية تمثّل معركة الوعي وصناعة المعرفة ومعركة بين الحق والباطل، نظرًا إلى ما تحتويه من مدلولات، ما يجعلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بــــ"لبنان" شعبًا ومقاومة ودولة؛ متسائلاً عن مدى حضور هذه القضية في الكتاب المدرسي اللبناني تعزيزًا أم تخفيفُا أم إلغاءً...؟

الباحث في القضايا القضايا التربوية والتاريخية والفكرية والمشرف التربوي في مدارس المصطفى الدكتور "حسين عبيد" تمحورت ورقته البحثية عن "حضور القضية الفلسطينية في الكتاب المدرسي اللبناني"، فألفت إلى أنّ النظام اللبناني فريد في العالم :"أساسه مركب طوائفي، تسوده التوترات والمنازعات، وأحيانًا الصراعات على هويّة ما تزال قائمة حتى يومنا هذا، تهيمن على المشهد التربوي فيه لا سيما في المجالات التاريخية والتربوية سردية واحدة"؛ يظهر فيها إقصاء القضية الفلسطينية؛ ما يشبه الغيات التام عن هذه المناهج. وبيّن أنّ المنهج اللبناني التربوي الرسمي مصنّف ضمن ثلاثة تصنيفات: المنهج المكتوب الرسمي ويتضمن سياسات الدولة، المنهج الخفي ويتضمن إضافات أو محذوفات بحسب أهواء المعلمين وتوجّهاتهم.

يعدّد "عبيد" المواطن التي ذُكرت فيها فلسطين على استحياء حينًا وشطبها حينًا آخر، "ولم يتوقف الأمر على شطب فلسطين؛ بل تجاوزه إلى حذف كل المتعلقات فيها وشطب كلّ الدروس المختصة بالدول العربية من الشهادة المتوسطة في العام الدراسي 2000/2001. ما أخرج ما تبقى منها من سياقه التاريخي فأصبح بلا قيمة تربويّة".  وهذا الإهمال والشطب المتعمدين نجده في مختلف كتب المنهاج التربوي، التأريخ والجغرافيا والأدب والتربية.. بل وصل الأمر ببعض المدارس إلى استيراد كتب باللغة الأجنبيّة تصنّف المقاومة إرهابًا في إنكار تام لوجود أي احتلال..!

 في هذا السّياق يتطرق "عبيد" إلى نقاشات وسجالات في ورش تربوية كانت تتدارس أهميّة تأصيل القضية الفلسطينية والمقاومة في المناهج التربوية. وكان الملاحظ أن فريقًا لا يعيّر للأمر أهميّة، موقف يشي بتبني "العولمة" الثقافية الزائفة وما فيها من مفاهيم مغلوطة تلغي الحدود بين الإرهاب والمقاومة.
ختم "عبيد" بحثه بتقديم توصيات تتضمن تخصيص ميزانية لوضع منهج جديد بدلاً من إعداد مناهج وفقًا لأهواء المؤسسات الممولة دوليًا، ودعا إلى تعزيز المسوغ الوطني وما يتعلق بالمقاومة والقضية الفلسطينية لما يشكّله العدو من خطر داهم والتنبيه من مخاطر التطبيع. 

يوسف: المؤسسة الإسلاميّة وإبراز القضية الفلسطينية

الباحث التربوي والمدير العام للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم الدكتور "حسين يوسف" تحدث عن تجربة المؤسسة في إبراز القضية الفلسطينية والعدو الإسرائيلي في مناهجها وكتبها مبينًا أنّها: "بذاتها مشهد من المعركة بين الحق والباطل": فعند مقاربة أي قضية بالمعنى التربوي، يتصل بعمق وعي صانعي السّياسات وصلتها بالحياة ضمن التشكّل الاجتماعي والحضاري ومستوى تأثر المجتمع بالقضايا، ورفض الإباء والظلم ومعاني التضامن والجغرافيا السياسيّة والبعد الحضاري للمنطقة بالنسبة إلى العالم". انطلاقًا من هذه القناعة تصبح فلسطين "قضية مصيريّة ومحوريّة في التربية لا يجوز التّعامل معها على أنّها قضية جانبية". 

لفت "يوسف" : "إن إهمال أبعاد القضية الفلسطينية سيفضي بنتائج تربوية سلبية"؛ وفي هذا السيّاق توقف عند مسألة الصراع على المناهج التربويّة في لبنان ومشكلة قطع التمويل من الغرب في حال ذُكرت فلسطين في المناهج؛ ثمّ أسهب بالحديث عن تجربة المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم- مدارس المهدي بوصفها تجربة شمولية المقاربة (تاريخ، معرفة، جغرافيا، دين، أخلاق، سياسة، الصراع حول القضية الفلسطينية والمقاومة). وقال: "من صفات القضية الفلسطينية أنها شاملة في أبعادها وتأثيراتها".. فهي ممتدة من ماضٍ عميق بتاريخ متراكم إلى ما وصلنا إليه اليوم من جانب معاصر. 

كما تحدث "يوسف" عن أبرز الفعاليّات والأنشطة التربوية التي تقوم بها المؤسسة في تربية أبنائها على المعرفة والتعلق بالقضية الفلسطينية والعداء للكيان الصهويني الغاصب. وكيف يمكن تعزيز التربية على العداء مع هذا الكيان. وختم بحثه مركّزًا على أهميّة عزل مشروع المنهج عن دول الخارج والسّفارات، وضرورة العمل عليه بذهنيّة وطنيّة من منظور وطني وباقتدار وطني بالمعنى العميق، لتقديم قيم العدل والعدالة وإعادة تعريف المحوريات في المنهج.

يجدر الإشارة إلى أنّ مركز الأبحاث والدراسات التربويّة يبذل جهودًا علميّة حثيثة نحو إحداث تغييرات مهمّة في المنظومة التربوية المعتمدة في لبنان، ففي هذا السيّاق تأتي هذه الندوة لتسلّط الضوء على محوريّة تطهير منهاجنا التربوي من التبعيّة الثقافيّة والإيدولوجيّة للمستعمر الغربي، ولتكون رؤيتنا الوطنيّة الخالصة الانتماء هي الركيزة الأساسيّة في ما يتشرّبه أطفالنا وأبناؤنا في مدارسنا. وهنا نختم متسائلين مع الدكتور "حسين عبيد" عن المقترح المنهج الذي تقدّمتْ به اللجنةُ المولجةُ بمادّة التاريخ ضمن خطّة النهوض التربويّ برئاسة رئيس المركز التربويّ للبحوث والإنماء"، وأقرّته الحكومةُ اللبنانيّةُ في أيّار 2000، ثمّ أوقِفَ العملُ به لاحقًا، وهو يشمل تدريسَ القضيّة الفلسطينيّة في الحلقة الثالثة من التعليم الأساسيّ وفي المرحلة الثانويّة. فلماذا أوقف العمل به.. وأين أصبح؟
 

مواضيع مرتبطة

تسع مهارات أساسية لن يتعلّمها طفلك في المدرسة

يهمل بعض أولياء الأمور في تعليم أطفالهم مجموعة أساسية من المهارات بدعوى صغر أعماره؛ فهل يصحّ ذلك؟

خمس نصائح لجعل منزلك بيئة آمنة للأطفال الصغار

لجعل المنزل بيئة آمنة للأطفال يجب تأمين الخزائن والأدراج والأرفف العالية 

إفطار جماعي للأطفال لتعزيز قيم شهر رمضان المبارك

الشهر الفضيل فرصة لتعليم الأطفال التكاتف والمحبّة وعمل الخير..

كلمات مفتاحية

تربوية