2023.. عامٌ غني بالاكتشافات العلمية الرائعة

2023.. عامٌ غني بالاكتشافات العلمية الرائعة

علماء الأعصاب يحرزون تقدمًا في تطوير تقنيات قادرة على "فك تشفير" أفكارنا وكشف المحتويات المخفية 

على مدار عام مليء بالاكتشافات الرائعة، اجتاحت شاشاتنا زوبعة من العناوين الرئيسة عن الاكتشافات المثيرة للاهتمام التي توصل إليها العلماء، بدءًا من ظهور مذنّب أخضر لامع في السماء لم يُر منذ العصر الحجري، واكتشاف أن أسلافنا كانوا على حافة الانقراض قبل 900 ألف عام، وحتى اكتشاف عناصر للحياة على قمر إنسيلادوس التابع لكوكب زحل، وصولاً إلى الحياة على الأرض خلال العام الأكثر سخونة على الإطلاق بسبب التغيرات المناخية.

خلال هذا العام المغادر، توصل علماء الفلك إلى اكتشافات جديدة عن الكون، ورسم علماء الحفريات صورة أكثر ثراء للديناصورات التي جابت الأرض منذ ملايين السنين، ووضع علماء الأحياء خريطة أوضح لمخلوقات كوكبنا، ووثقوا أول "ولادة عذرية" في التاريخ لأنثى تمساح، وتخطوا حدود الحياة الاصطناعية، وبحثوا في كيفية احتفاظ الكائنات الحية بالوقت، وقاموا بتطوير النظريات إزاء الوعي والصحة العاطفية.

في الأخبار الصحية الرئيسة، أثمرت الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا والتهاب الكبد الوبائي (ب) وغيرهما من أنواع العدوى، وانتهت حال الطوارئ الصحية العامة المتعلقة بجائحة كورونا، ولم يحظ المرض باهتمام كبير مقارنة بالعامين السابقين بالرغم من استمراره في تأثيرات كارثية، ويتوقع الخبراء الطبيون إطلاق لقاحات سنوية محدثة لمواصلة مكافحة الفيروس في أثناء تطوره.

على الرغم من أن كل تلك القصص وأكثر من ذلك قد أثارت اهتمامنا، فإنّ بعضها فقط هو الذي تصدر قائمة أكبر الأحداث والاكتشافات العلمية هذا العام، ومن المؤكد أن الكثير من النتائج الجديدة المذهلة تنتظرنا في العام 2024. ولكن قبل أن نغطيها، نستعرض في السطور الآتية موجزًا عن الإنجازات التي حققها العلماء وفقا للتوقيت الزمني الذي أُعلن فيه عن اكتشافها خلال هذا العام.

أدوات حجرية تقلب الافتراضات
في فبراير/شباط الماضي، اكتشف علماء الآثار في نايانجا في شبه جزيرة هوما في غرب كينيا اكتشافا مدهشا؛ بعض أقدم الأدوات الحجرية التي استخدمها الإنسان القديم على الإطلاق في الجزارة وقصف المواد النباتية مثل الدرنات والفاكهة، ويعود تاريخها إلى نحو 3 ملايين سنة، وفقًا لبحث نُشر في مجلة ساينس. وكان العلماء يعتقدون في السابق أن أدوات أولدوان -وهي نوع من الأدوات الحجرية البسيطة- كانت يستخدمها أسلاف الإنسان العاقل فقط، وكان من المفترض أن تكون هذه الأدوات الأصغر حجمًا والأخف وزنًا طفرة تكنولوجية وعلامة فارقة في التطور البشري.

قراءة الأفكار.. هل تفلح التكنولوجيا؟

لعدة قرون، أذهل علماء العقل الحشود من خلال التظاهر بأنهم يكشفون بسهولة عن ذكريات الجمهور ورغباتهم وأفكارهم. والآن هناك قلق من أن علماء الأعصاب ربما يفعلون الشيء نفسه عبر تطوير تقنيات قادرة على "فك تشفير" أفكارنا وكشف المحتويات المخفية لعقولنا.وعلى الرغم من أن فك التشفير العصبي كان قيد التطوير منذ عقود، فقد اقتحم الثقافة الشعبية في وقت سابق من هذا العام، وذلك بفضل عدد كبير من الأبحاث البارزة. فقد طَّور علماء من جامعة تكساس في أوستن تقنية يمكنها ترجمة نشاط دماغ الناس -مثل الأفكار غير المنطوقة التي تدور في أذهاننا- إلى كلام فعلي، وفقا لدراسة نشرت في مجلة نيتشر.

وفي الماضي، أظهر الباحثون أنهم يستطيعون فك تشفير اللغة غير المنطوقة عن طريق زرع أقطاب كهربائية في الدماغ ومن ثم استخدام خوارزمية تقرأ نشاط الدماغ وتترجمه إلى نص على شاشة الحاسوب، لكن هذا النهج يتطلب عملية جراحية، وحظي بقبول مجموعة فرعية فقط من المرضى مثل المصابين بالشلل الذين كانت الفوائد بالنسبة لهم تستحق التكاليف. لذلك طَّور الباحثون أيضا تقنيات أخرى لا تتضمن عمليات جراحية، وكانت جيدة بما يكفي لفك تشفير حالات الدماغ الأساسية، لكنها تقتصر على فك تشفير الكلمات المفردة أو العبارات القصيرة.

وفي النموذج الذي يُسمى "وحدة فك التشفير الدلالي"، جمع العلماء بين عمليات مسح الدماغ ومولدات اللغة المدعومة بالذكاء الاصطناعي (مثل تلك التي تدعم "تشات جي بي تي" والأدوات المماثلة مثل روبوتات الدردشة بارد) لترجمة نشاط الدماغ إلى جمل متماسكة ومستمرة. وباستخدام طرق المسح غير الجراحية فقط، كانت هذه الطريقة قادرة على إنتاج جمل كاملة من تسجيلات دماغية غير جراحية جُمعت من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.

موجات جاذبية منخفضة التردد

منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ظل العلماء يبحثون عن خلفية موجة الجاذبية أو ما تسمى بـ"الموجة الثقالية"، وهي صدى خافت ولكنه مستمر لموجات الجاذبية التي يُعتقد أنها نشأت بسبب الأحداث التي وقعت بعد وقت قصير من الانفجار الكبير واندماج الثقوب السوداء الهائلة في جميع أنحاء الكون. وفي سابقة تاريخية، أبلغ فريق من العلماء في جميع أنحاء العالم في 24 يونيو/حزيران الماضي، عن وجود ما يسمونه "أدلة دامغة" على وجود موجات الجاذبية منخفضة التردد، وهي تموجات في نسيج الكون تنشأ عن الأجسام الضخمة التي تتحرك وتتصادم في الفضاء السحيق بما يكفي لإنشاء إشارة دقيقة يمكن للعلماء التقاطها.

بطل جديد للوزن الثقيل في مملكة الحيوان

لم يعد الحوت الأزرق أثقل حيوان عاش على الإطلاق بعدما كشف علماء الحفريات عن عظام متحجرة لحيوان ثديي بحري ضخم انقرض منذ ملايين السنين وُصف حديثا باسم "بيروسيتوس كولوسوس"، ويعني "الحوت البيروفي الضخم"، وهو مخلوق يشبه إلى حد ما خروف البحر، ويعود تاريخه إلى ما بين 38 و40 مليون سنة خلال العصر الإيوسيني. وفي دراسة نشرت في مجلة نيتشر، قدّر الباحثون وزن بيروسيتوس العملاق بأنه قد يصل إلى 340 طنًا مترًيا، ما يتحدى مكانة الحوت الأزرق كونه الأضخم على الإطلاق في المملكة الحيوانية. لكنه ليس الأطول، فقد امتد جسم العملاق بيروسيتوس نحو 20 مترا، ويمكن للحيتان الزرقاء أن تكون أطول، حيث يصل طول بعضها إلى أكثر من 30 مترا.

الكواكب الخارجية.. أكثر من 5500 كوكب

منذ القرن السادس عشر تكهن الناس بوجود كواكب تدور حول نجوم أخرى، ومع ذلك وخلال معظم تاريخ البشرية وحتى العقد الأخير من القرن العشرين، كانت الإجابة على هذا اللغز الكوني بعيدة عن العلماء. وبعد ذلك، ومنذ نحو 31 عاما فقط في العام 1992، تم التأكد من ظهور الكواكب الخارجية الأولى عندما اكتشف علماء الفلك في مرصد أريسيبو في بورتوريكو كوكبين توأمين هما بولترغايست وفوبيتور يدوران حول النجم النابض "بي إس آر بي 1257+12". وفي العام 1995 اكتشف الفلكيان السويسريان ميشيل مايور وديدييه كيلو أول كوكب (بيجاسي بي51) يدور حول نجم يشبه الشمس.  وفي مارس/ آذار 2022، أي العام الماضي فقط، احتفل العلماء باكتشاف 5000 كوكب خارجي. وفي 24 أغسطس/آب 2023، أي بعد أكثر من ثلاثة عقود من التأكيد الأول لوجود كواكب خارج نظامنا الشمسي، أعلن العلماء عن اكتشاف ستة كواكب خارجية جديدة، ما رفع هذا العدد إلى 5502  في أكثر من 4000 نظام كوكبي.

كانت تلك بعض اللحظات التي شكَّلت العام 2023 كونه عامًا رئيسًا آخر في العلوم. ومهما تعددت فهي تمثل إحصائية محدودة، فهذا العام كان مليئًا بالأخبار المذهلة أيضًا، بما في ذلك الصور المذهلة التي نشرها تلسكوب جيمس ويب حول العوالم.. وتستمر أحدث خلاصة للبحث العلمي للبشرية في إثارة الفضول والكشف عن ألغاز جديدة يجب حلها.

 

 

المصدر : الجزيرة + وكالات