ديسكورد.. العالم السري للمراهقين.. منصة تواصل أم بوابة للمخاطر الخفية؟

ديسكورد.. العالم السري للمراهقين.. منصة تواصل أم بوابة للمخاطر الخفية؟

هذا الانتشار السريع جعلها واحدة من أكثر المنصات جذبا

في سبتمبر/أيلول الماضي، برز اسم منصة "ديسكورد" بقوة في الساحة العربية، ليس بوصفها منصة ترفيهية متعلقة بالألعاب الإلكترونية كما تُعرف عالميًا، بل بكونها مساحة تنظيمية استخدمها شباب ومراهقون في المغرب لتنسيق مظاهراتهم ومناقشة قضايا تتعلق بالحريات والإعلام والفساد.

لم تكن التجربة المغربية معزولة، إذ سبقتها إلى استخدام هذه الآلية حركات الاحتجاج في نيبال، وهو ما يعكس انتقال المنصة من نطاق الاستخدام الترفيهي إلى دور أكثر تأثيرا في الحراك الشبابي.

بحسب موقع "ريسور" المتخصص في البيانات والإحصائيات، يتجاوز عدد مستخدمي المنصة شهريا 259 مليون مستخدم، أغلبهم من الشباب والمراهقين، وهو ما يعني أن أبناءك قد يكونون جزءا من هذا الجمهور. تحولت المنصة -التي بدأت أداة للتواصل الصوتي بين اللاعبين- إلى فضاء رقمي واسع للتفاعل في أثناء اللعب، وأداء الواجبات المدرسية، وتنظيم اجتماعات الأندية والغناء والتسكع افتراضيا.

هذا الانتشار السريع جعلها واحدة من أكثر المنصات جذبا، لكنه أثار أيضا جدلا متزايدا بشأن مستوى الأمان الذي توفره للمراهقين، وإذا ما كانت فوائدها تفوق مخاطرها المتنامية.

ما الذي يميز ديسكورد عن التطبيقات الأخرى؟

يختلف تطبيق ديسكورد عن تطبيقات التواصل التقليدية مثل واتساب وفيسبوك، فبينما تركز تلك التطبيقات على التواصل بين الأصدقاء والمعارف، يقوم ديسكورد على مفهوم "السيرفرات" أو الخوادم. وهي مساحات افتراضية يمكن لأي شخص إنشاؤها أو الانضمام إليها وفق اهتماماته، من دون معرفة مسبقة بالأعضاء. يوفر التطبيق محادثات نصية وقنوات صوتية مباشرة ومكالمات فيديو مع إمكانية تبادل الملفات والصور والروابط بحرية.

هذه المرونة تجعله أداة قوية للتفاعل الاجتماعي، لكنها تفتح المجال لاستخدامات غير آمنة، خصوصا للأطفال والمراهقين، كما تسمح القنوات المفتوحة لأي عضو بالدخول والمشاركة في أي وقت، مما يتيح تواصلا فرديا قد يكون خارج نطاق إشراف الأهل.

كيف تعمل ديسكورد؟

عند التسجيل في منصة ديسكورد ينشئ المستخدم حسابه الشخصي، ثم يبدأ في استكشاف خوادم تتوافق واهتماماته أو الانضمام إليها عبر روابط الدعوة، وتتفاوت هذه الخوادم بين مجتمعات ضخمة تضم آلاف الأعضاء ومجموعات صغيرة مغلقة.

مع أن المنصة تشترط أن يكون عمر المستخدم 13 عاما على الأقل، فإنها تعتمد على تاريخ الميلاد الذي يدخله المستخدم نفسه، وهو ما يجعل تجاوز هذا الشرط سهلا على الأطفال الأصغر سنا. ورغم أن ديسكورد تعمل على حذف حسابات القاصرين عند اكتشافها وتقيد الوصول إلى الخوادم المخصصة للبالغين لمن هم فوق 18 عاما، فإن خبراء السلامة الرقمية يشيرون إلى أن هذه الإجراءات لا توفر حماية كاملة.

مخاطر ديسكورد

رغم أن منصة ديسكورد قد توفر مساحة ممتعة ومحفزة للإبداع عند المراهقين، فإن بنيتها وطبيعة خصائصها الأمنية المحدودة تجعلها بيئة تحمل مخاطر واضحة للمستخدمين الأصغر سنا. 

في ما يلي أبرز التحديات والمخاطر المرتبطة باستخدامها:

1.    التواصل مع الغرباء واستدراج الأطفال

من أبرز المخاطر التي يواجهها الأطفال على ديسكورد سهولة التواصل مع أشخاص مجهولين. فعند الانضمام إلى خوادم عامة، يصبح الطفل مكشوفا أمام آلاف المستخدمين الذين قد يدعي بعضهم أنهم في نفس عمره لكسب ثقته، وتكثر حالات تلقي رسائل خاصة من حسابات مشبوهة تحتوي على روابط خطيرة أو محاولات لاستدراج الطفل إلى محادثات غير مناسبة خارج المنصة.

2.    التنمر الإلكتروني والمحتوى الضار

في العام 2024 رفعت والدة المراهق إيثان دالاس (15 عاما) دعوى قضائية تتهم فيها ديسكورد بالإهمال بعد أن تمكن شخص بالغ من استدراج ابنها ثم ابتزازه جنسيا، في واقعة انتهت بانتحاره. ليست هذه حالة فردية، إذ تسجل الولايات المتحدة عشرات القضايا المشابهة المرتبطة بالاستغلال أو التنمر داخل غرف الدردشة.

يواجه تطبيق ديسكورد انتقادات متزايدة بسبب صعوبة ضبط محتواه، خصوصا أن المحادثات النصية والصوتية تجري لحظيا، مما يجعل مراقبة الانتهاكات أمرا معقدا. ويتعرض كثير من المستخدمين صغار السن للإساءات اللفظية أو التنمر الجماعي داخل القنوات الصوتية، إضافة إلى انتشار خوادم تحتوي على مواد غير مناسبة، من محتوى عنيف إلى لغة جنسية بذيئة. طبقا لتقرير الشفافية الخاص بديسكورد عام 2024، فإن 18.97% من المستخدمين أبلغوا عن تحرش وتنمر، كما أن نحو 4% من البلاغات ضد المنصة كانت تتعلق بسلامة الأطفال.

3.    التلاعب والاستغلال

كما أشرنا سابقا، فإن أحد أبرز خصائص منصة ديسكورد هو كونها مفتوحة تتيح تواصلا سريعا وسهلا، بيد أن هذه الميزة قد تأتي بنتائج عكسية في بعض الأحيان. فقد سجلت حالات استغلت فيها المنصة من قبل جماعات متطرفة أو أفراد ذوي نيات سيئة لنشر أفكار خطيرة، سواء عبر التحريض على العنف أو التشجيع على إيذاء النفس، أو حتى محاولة استقطاب المراهقين للانخراط في أنشطة غير قانونية. وتزيد طبيعة الخوادم المغلقة من صعوبة مراقبة هذه الممارسات والحد منها.

4.    الإدمان والتأثير على الحياة الواقعية

كثرة الإشعارات والمحادثات المستمرة عبر خوادم متعددة تدفع الأطفال لقضاء ساعات طويلة على التطبيق، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم وتراجع في الأداء الدراسي وضعف في المهارات الاجتماعية الحقيقية، ويصبح العالم الافتراضي أكثر جاذبية لهم من الواقع، مما يعزلهم عن أسرهم وأصدقائهم الحقيقيين.

5.    كيف تحمي طفلك في عالم ديسكورد؟

أ.    إبقاء قنوات التواصل مفتوحة : لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، يجب بناء علاقة قائمة على الثقة والحوار المفتوح، يُظهر فيها الأهل اهتماما حقيقيا دون فرض رقابة صارمة. يشعر الطفل بالأمان لمشاركة تجاربه والإبلاغ عن أي موقف مزعج. يؤكد الخبراء أن المنزل يجب أن يكون "منطقة بلا أخطاء" تسمح للأطفال باللجوء إلى والديهم دون خوف، مما يجعل دور الأهل ملاذا آمنا، خصوصا مع تردد كثير من الشباب في الإفصاح عن مشاكلهم.

ب.    إعدادات الخصوصية والأمان : توفر منصة ديسكورد مجموعة من إعدادات الخصوصية التي يجب تفعيلها، مثل:

•    تقييد استقبال الرسائل، والسماح بتلك الواردة من الأصدقاء فقط.
•    تعطيل طلبات الصداقة العشوائية.
•    إخفاء البريد الإلكتروني ورقم الهاتف.
•    استخدام خاصية "مركز العائلة"، التي تتيح للأهل الاطلاع على قائمة الأصدقاء والخوادم دون التطفل على تفاصيل المحادثات.

6.    التوعية بالمخاطر والتدخل عند الحاجة

من الضروري توعية الأطفال بعدم مشاركة أي معلومات شخصية مثل العنوان أو المدرسة أو الصور مع الغرباء، وتعليمهم كيفية التعرف على المحتوى أو المحاولات المشبوهة للتواصل، مع تشجيعهم على الإبلاغ فورا عن أي سلوك مريب.

ينطبق ذلك على جميع منصات التواصل والألعاب المشابهة، بما فيها روبلوكس وغيرها. وإذا واجه الطفل إساءة أو محتوى غير لائق، ينبغي للأهل التحلي بالهدوء وعدم توبيخه، بل الاحتفاظ بالأدلة مثل لقطات الشاشة، واستخدام أدوات الإبلاغ داخل المنصة، واللجوء للجهات المختصة إذا استدعى الأمر.

سلامة الأطفال على الإنترنت تتطلب نهجا متكاملا، فديسكورد تمثل أداة يمكن أن تكون نافعة أو ضارة حسب الاستخدام. وتوفر المنصة فرصا للتعلم وبناء الصداقات ومشاركة الاهتمامات، لكنها تحمل مخاطر المحتوى غير اللائق، لذا فالتوازن بين الحرية الرقمية والحماية يتحقق بالتوعية والحوار المفتوح والمتابعة الحكيمة.

المصدر: مواقع إلكترونية