هل تساعد تطبيقات الصحة الذكية على الوقاية أم مجرد المتابعة؟

هل تساعد تطبيقات الصحة الذكية على الوقاية أم مجرد المتابعة؟

أصبحت تطبيقات الصحة الذكية جزءاً من حياتنا اليومية دون أن نشعر. نفتح هواتفنا صباحاً، نتحقق من عدد خطواتنا، معدل ضربات القلب، ونراقب جودة نومنا… كل هذا من خلال شاشة صغيرة نحملها في جيوبنا. لكن يبقى السؤال الكبير معلقاً: هل تُحدث هذه التطبيقات فرقاً حقيقياً في حياتنا الصحية؟ هل تُستخدم فعلاً للوقاية والعناية، أم أنها مجرد وسائل لعرض البيانات ومتابعة ما هو حاصل فعلاً؟


لا يكفي أن تراقب جسمك... بل الأهم أن تتصرف وفقاً لما تراه. هنا، يأتي دور تطبيقات الصحة الذكية، التي تعد من أبرز أدوات الصحة الرقمية في عصرنا، لكن فعاليتها تختلف حسب كيفية استخدامها، ونوع البيانات التي تقدمها، ومدى تفاعل المستخدم معها.


ما المقصود بتطبيقات الصحة الذكية؟

هي برامج محمولة تعتمد على ما هو الذكاء الاصطناعي والاستشعار الحيوي، وتحليل البيانات، لمتابعة مؤشرات الجسم وتقديم نصائح أو تنبيهات صحية. تتنوع هذه التطبيقات من تلك التي تتابع النشاط البدني والنوم، إلى تطبيقات أكثر تقدماً تراقب السكري، أو ضغط الدم، أو حتى الحالة النفسية.

تشمل أشهر الأمثلة (Apple Health)، و(Google Fit)، و(Samsung Health)، إضافةً إلى تطبيقات مخصصة، مثل (MyFitnessPal)، و(Fitbit)، و(Calm). لا تكتفي معظم هذه التطبيقات بالعرض، بل تُحلِّل وتُقدِّم توصيات تستند إلى سلوكك الصحي اليومي.


أدوات متابعة أم وسيلة وقاية فعّالة؟

يعتقد كثيرون أنّ تطبيقات الصحة الذكية مجرد أدوات تسجّل البيانات دون أن تؤثر فعلاً في حياة المستخدم. لكن الواقع يثبت العكس. إنّ هذه التطبيقات قادرة على تقديم دور وقائي حقيقي إذا استُخدمت بصورة صحيحة.

فعلى سبيل المثال، عندما تُظهر التطبيقات زيادة في معدل ضربات القلب في فترات الراحة، أو انخفاض في جودة النوم، فهذه إشارات مبكرة قد تُنذر بوجود خلل في الصحة العامة. يمكن للمستخدم الواعي أن يتصرف بسرعة، أو يغير نمط نومه، أو يستشير طبيباً قبل تفاقم الحالة؛ إذ إنّ هذا التصرف هو الوقاية بعينها.

لكنّ المشكلة ليست في التقنية، بل في سلوك المستخدم؛ إذ يتعامل كثيرون يتعاملون مع هذه المؤشرات وكأنها أرقام ترفيهية، دون اتخاذ قرارات بناءً عليها. بالتالي، تبقى التطبيقات في خانة "المتابعة"، لا "الوقاية".


هل تقدم تطبيقات الصحة الذكية دقة طبية موثوقة؟

تشغل مسألة دقة تطبيقات الصحة الذكية بال الأطباء والمستخدمين معاً. فبعض الأجهزة، مثل (Apple Watch)، أصبحت اليوم معتمدة طبياً في مراقبة مشكلات، مثل الرجفان الأذيني. كما أن شركات كبرى، مثل (Withings)، و(Garmin)، توفِّر أجهزةً قادرةً على تقديم قراءات شبه سريرية.

مع ذلك، ما تزال هناك فجوة بين التطبيقات التجارية والتشخيص الطبي الكامل. فهذه التطبيقات قد تُعطي قراءات غير دقيقة إذا لم تُستخدم استخداماً صحيحاً، أو إذا كانت تعتمد على أجهزة استشعار منخفضة الجودة. لذلك، يجب أن تُستخدم تطبيقات الصحة الذكية كمؤشر مبدئي، لا بديل عن الطبيب.


دور الذكاء الاصطناعي في تطوير هذه التطبيقات

من أقوى ما يميز تطبيقات الصحة الذكية هو دمجها بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي. لا تكتفي هذه التقنية بجمع البيانات، بل تتعلم من سلوكك اليومي لتقديم نصائح مخصصة لك، تختلف عن غيرك حتى لو كان لديكما نفس المؤشرات الحيوية.

تخيّل تطبيقاً يعرف أنك في يوم عمل مرهق، يكتشف من جدولك أنّ نومك سيكون أقل، فيقترح تقنيات استرخاء مخصصة أو حتى تنبيهاً بشرب الماء في توقيت معيّن. يجعل هذا النوع من التفاعل من التطبيق أقرب لمساعد صحي شخصي دائماً في جيبك. الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عند التحليل اللحظي فقط، بل يمتد إلى التعلّم التراكمي.

كلما استخدم الشخص تطبيقات الصحة الذكية لفترة أطول، أصبحت توقعاتها أكثر دقةً، وتوصياتها أكثر توافقاً مع نمط حياته. باتت بعض التطبيقات اليوم قادرةً على التنبؤ بزيادة خطر الإصابة بمشاكل صحية بناءً على تغيرات بسيطة في سلوك المستخدم، مثل تغير نمط النوم أو تكرار حالات التوتر.

علاوة على ذلك، تستخدم بعض تطبيقات الصحة الذكية خوارزميات متقدمة للتعرّف على الأنماط غير المرئية بالنسبة للمستخدم العادي. على سبيل المثال، يمكن للنظام اكتشاف علاقة بين تناول وجبة معينة وزيادة معدل نبضات القلب بعد ساعتين، وربطها بارتفاع محتوى الصوديوم أو الدهون في تلك الوجبة.

>لم يكن هذا النوع من التحليل العميق ممكناً سابقاً دون الذكاء الاصطناعي، كما تتيح هذه التقنية دمج بيانات من مصادر متعددة - مثل الساعة الذكية، والهاتف، وحتى الأجهزة المنزلية الذكية - لإنشاء صورة صحية شاملة تغني المستخدم عن التشتيت بين عشرات التطبيقات المختلفة. بذلك تصبح تطبيقات الصحة الذكية أكثر من مجرد أداة مراقبة، بل تتحول إلى نظام متكامل لإدارة الصحة الشخصية بذكاء ودقة.

في المستقبل القريب، من المتوقع أن نرى هذه التطبيقات تُدمج مباشرة مع الأنظمة الصحية الوطنية، بحيث تنتقل المعلومات من الجهاز إلى ملف المريض الطبي انتقالاً تلقائياً وآمناً، ما يفتح الباب أمام تحليلات أوسع وتدخلات أسرع في الحالات الحرجة.


هل هناك فعلاً نتائج مثبتة؟

دراسات متعددة أثبتت أنّ الاستخدام المنتظم لتطبيقات الصحة الذكية يساعد على تحسين مؤشرات نمط الحياة، مثل زيادة عدد الخطوات اليومية، وتحسين النوم، وتقليل التوتر، وحتى خسارة الوزن.

في دراسة نشرتها جامعة (Duke)، وُجد أنّ المشاركين الذين استخدموا تطبيقات الصحة الذكية بانتظام، زادت التزامهم بالعادات الصحية بنسبة 30% مقارنةً بغيرهم. لكن تبقى النتائج مرهونة بالالتزام؛ لأنّ التطبيق وحده لا يصنع المعجزة؛ هو أداة، ومثل أية أداة.. قيمتها بما تفعل بها.


هل هذه التطبيقات كافية لحماية صحتنا؟

بصراحة؟ لا. تطبيقات الصحة الذكية لوحدها لا تكفي. لكنها بداية ممتازة. هي ليست بديلاً عن زيارة الطبيب أو القيام بالفحوصات الدورية، لكنّها توفر إشارات مبكرة، وتدفع الشخص ليكون أكثر وعياً بجسده وسلوكياته. مع دمج هذه التطبيقات ضمن برامج صحية وطنية أو شركات تأمين صحي، يمكنها أن تصبح خط الدفاع الأول ضد الأمراض المزمنة.

 


المصدر: موقع النجاح الإلكتروني

 

مواضيع مرتبطة

سر الساعة البيولوجية في حليب الأم.. رسائل ذكية تنظّم نوم طفلك

هذا التبدّل الطبيعي يعكس ذكاء بيولوجيًا فريدًا.

ما هو فيروس كوكساكي؟

عدوى فيروسية خفيفة ومعدية تشيع بين الأطفال الصغار.