سامر يتحدّى نفسه..!

سامر يتحدّى نفسه..!

سامر يخسر في السباق الرياضي..فيغضب جدًا..لم يهنأ صديقه الفائز.. لكنّه غيّر موقفه..فماذا حدث؟

تبدأ الحكاية يا صغاري في يومٍ مشمس من أيام الربيع، حينما عاد سامر من المدرسة غاضبًا على غير عادته؛ حيث دخل البيت مسرعًا، وأغلق الباب بقوة، ثم رمى حقيبته في زاوية الغرفة وجلس على الأريكة، وملامح وجهه تنطق بالحزن والانزعاج.

اقترب منه والده بهدوء، وقد لاحظ حاله، وقال بلطف وهو يضع نظارة القراءة جانبًا: ما بك يا سامر؟ تبدو غاضبًا جدًا.

رد سامر بصوت متقطع حزين، وهو يحاول أن يُخفي دموعه: كان سباق الجري اليوم في المدرسة كما تعلم يا أبي، بذلتُ جهدي، كنتُ أجري بأقصى سرعة، ومع ذلك، حصلتُ على المركز الثاني فقط! الميدالية الفضية! كنتُ أستحق الذهبية!

هزّ الأب رأسه بتفهّم وقال: الميدالية الفضية تعني أنك كنت من أفضل المتسابقين، هذا إنجاز رائع يا بني.

قال سامر بحدّة: لكن فارس حصل على الذهبية، ولم يتدرّب بجد كما فعلت! كان محظوظًا فقط! هو لم يتعب مثلي.

ثم أضاف سامر بصوت منخفض: لم أهنّئه، خرجتُ من الملعب فورًا.

نظر إليه والده بتأنٍ وقال: هذا يعني أنك لم تُبارك له ولم تُصافحه! لا أصدق ما فعلت!

رد سامر محرجًا: لا لم أستطع، كنتُ غاضبًا جدًا.

ابتسم الأب وربت على كتف ابنه، وقال: دعني أحكي لك قصةً حصلت معي، لعلّها تغيّر نظرتك لهذا الموقف.

جلس سامر مستعدًا للاستماع، فأخذ والده نفسًا عميقًا وبدأ يقول: منذ حوالي عشرين عامًا وربما أكثر قليلًا، كنتُ طالبًا متميزًا في الصف الثانوي، ولهذا أصبحت من أوائل المرشحين بمدرستي للسفر إلى أحد المعسكرات التي تُقام كل عام، والتي تضم طلاب الثانوي المتفوقين على مستوى العالم، وتوقعت أنني سأحصل عليها، بل كنتُ واثقًا من ذلك.

تابع الأب بنبرة هادئة: ولكن، عندما أعلنت إدارة المدرسة اسم الطالب المرشح للسفر، فوجئتُ بأن زميلي كريم هو منْ حصل على الترشيح، فشعرتُ بخيبة أمل كبيرة، وظننتُ أنني ظُلمت.

تنهّد سامر الابن وقال: لا بد أنك شعرت بالغضب، تمامًا كما أشعر الآن.

ضحك الأب وقال: نعم، شعرتُ بالغضب، لكنني لم أسمح له أن يُسيطر عليّ، ذهبتُ إلى كريم، وصافحته وقلت له: مبارك لك الرحلة أتمنى لك التوفيق، وكنتُ صادقًا في تهنئتي، ولكنني رأيتُ في عينيه دهشة.

سامر يسأل ويستفسر: ولم تندم على ذلك يا أبي؟

أجاب الأب: أبدًا، وبعد انتهاء المرحلة الثانوية، قررت عائلة كريم الانتقال من البلد والانتقال إلى بلد آخر بعيدًا؛ للالتحاق بالجامعة هناك، وعندما طلب والد كريم من ابنه أن يرشح أحد الأصدقاء المفضلين والموثوق بهم؛ للسفر معه لقضاء الشهر الأول الذي يسبق الدراسة، وحدث أن اختارني كريم. وقال لي إنه لم ينسَ موقفي النبيل في ذلك اليوم، وإنه يثق بي أكثر من أي أحد آخر.

نظر سامر بدهشة لوالده وقال: وهل سافرت معه، وهل أمضيت وقتًا ممتعًا سعيدًا؟

أومأ الأب برأسه وقال مبتسمًا: نعم، ومنذ تلك الرحلة، تفتحت أمامي أحلام جديدة تمنيت تحقيقها، لقد أصبحت حياتي أفضل وأكثر سعادة مما توقعت، كل ذلك لأنني تصرّفت بروح رياضية، ولم أسمح للغضب أن يعميني، بل إن الروح الرياضية أصبحت أسلوب حياتي؛ أعمل وأجتهد وأنتظر النتيجة.. أُهنئ منْ سبقني، وأرحب بمنْ أخذ المكانة التي كنت أحلم بها، شرط أن أعمل بجهد أكبر وإرادة أقوى للفوز في المرة القادمة.

ظل سامر صامتًا لثوانٍ، يفكّر في كلام والده، ثم قال: وهل تعتقد بأن ما فعلته اليوم كان خاطئًا؟

رد الأب: لم يكن خطأ أن تحزن أو تغضب، فالحزن والغضب مشاعر طبيعية، لكن كان عليك أن تفرح لزميلك، حتى وأنت تشعر بالحزن، الروح الرياضية تعني أن نرتقي بأخلاقنا فوق مشاعرنا اللحظية.

تنهد سامر وقال: لكني كنت أظن أني سأفوز، وتعبت كثيرًا من أجل ذلك.

ابتسم الأب وقال: وها أنت حصلت على الميدالية الفضية، وهذا دليل على تعبك، لكن تذكّر، الطريقة التي تتعامل بها مع خسارتك، هي ما يصنع الفرق بين الشخص العادي والشخص المميز.

في المساء، دخلت الأم إلى الغرفة وقالت: سامر، أين الميدالية؟ أريد أن أضعها مع الجوائز الأخرى.

قال سامر مترددًا: لقد وضعتها في الدرج، لا أريد أن أراها الآن.

ابتسمت الأم بلطف وقالت: لكنها جميلة! وهي ثمرة جهدك ومرانك الصعب.

وقف سامر بهدوء، وفتح الدرج، وأخرج الميدالية، نظر إليها مطولًا، ثم ابتسم وقال: أظنّني بدأتُ أحبّها.

في اليوم التالي، دخل سامر المدرسة، وذهب مباشرة نحو زميله فارس الذي فاز بالمركز الأول، وقف أمامه ومدّ يده قائلًا: مبارك لك يا فارس، لقد كنت سريعًا بحق، واستحققت المركز الأول.

تفاجأ فارس وابتسم قائلًا: شكرًا يا سامر! كنتَ رائعًا أيضًا، لقد كان سباقًا قويًا، ضحك سامر وقال بنبرة ضاحكة: في السباق القادم، سأكون أكثر استعدادًا، وسأفوز عليك.

ضحك كلاهما، وتصافحا بحرارة، ومنذ ذلك اليوم، لاحظ المعلمون تغيّرًا ملحوظًا في السلوك الإيجابي لسامر؛ أصبح أكثر هدوءًا، يتعاون مع زملائه، يهنّئ الناجحين، ويساعد منْ يحتاج.

ذات يوم، قالت معلمة التربية الرياضية أمام الطلاب: أودّ أن أُشيد اليوم بسلوك سامر، لم يكن فوزه بالميدالية الفضية هو ما لفت نظري، بل طريقته في التعامل مع الموقف، هذه هي الروح الرياضية الحقيقية.

صفّق الجميع بحرارة، وشعر سامر بفخر لم يشعر به من قبل، فخرٌ لا يصدر من الميدالية، بل من النضج، من احترام الآخرين، ومن أن تكون إنسانًا قبل أن تكون فائزًا.

مرت السنوات، وكبر سامر، وأصبح شابًا ناجحًا في دراسته، محبوبًا بين أصدقائه، وقائدًا لفريقه في أكثر من مسابقة. وذات مرة، في مقابلة تليفزيونية، سُئل: ما هو أكبر درس تعلّمته من الرياضة؟

أجاب سامر مبتسمًا: أن الفوز لا يُقاس بالذهب فقط، بل يُقاس بالروح التي تتقبل الهزيمة، كما تتقبل الانتصار، وتُكرم الآخرين كما تُكرم نفسك.

نقلا عن موقع سيدتي

مواضيع مرتبطة

قصة الصياد والسمكة

قالت السمكة: "إذا أطلقت سراحي، سأحقق لك ثلاث أمنيات!"..لكنّه لم يكن راضيًا..!!

قصة الأرنب والكلب المتوحش

قرّر الكلب أن يقوم بتدريب نفسه على الركض السريع؛ كي يستطيع الإمساك بهذا الأرنب .. فهل نجح في ذلك؟

قصة فأر المدينة وفأر الريف

لم يعجب فأر المدينة بيت ابن عمه فأر الريف، والذي مع ذلك أنقذه عدة مرات..ولكن لماذا ذهب فأر الرئيف إلى المدينة ومات خوفًا؟

كلمات مفتاحية

قصص