أصبحت العلاقة بين البشر والذكاء الصناعي أكثر تعقيدًا حاليًا، ما دفع العلماء إلى دراسة وتحليل طبيعة هذه العلاقة بالاعتماد على "نظرية التعلّق".. فهل أصبح البشر متعلّقون عاطفيًا بالذكاء الصناعي؟
تدرس "نظرية التعلّق" التي وضعها العالم البريطاني جون بولبي العلاقات والروابط بين البشر، وخصوصًا العلاقات طويلة الأمد بين الشريكين وبين الآباء والأبناء، وتشرح النظرية لماذا يستطيع بعض الناس تكوين روابط عميقة وآمنة، بينما يجد آخرون صعوبة في الثقة أو الخوف من التقرّب من الآخرين.
لكّن الاعتماد الكبير على أنظمة وتقنيات الذكاء الصناعي اليوم يطرح سؤالًا جديدًا، وهو هل يمكن أن يتعلّق البشر بالذكاء الصناعي؟ ما دفع بفريق من الباحثين من جامعة "واسيدا" اليابانية إلى إجراء دراستين تجريبيتين ودراسة رسمية بالاستناد إلى نظرية التعلق لدراسة العلاقات بين الإنسان والذكاء الصناعي نُشرت نتائجها في مجلة Current Psychology.
حاجة عاطفية لأنظمة الذكاء الصناعي
أشار الباحثون، ومن ضمنهم الباحث المشارك فان يانغ والأستاذ أتسوشي أوشيو من كلية الآداب والفنون والعلوم، إلى أنّ التفاعلات بين الإنسان والذكاء الصناعي تتشابه مع العلاقات بين البشر من حيث قلق التعلّق وتجنب التعلّق. ويقول يانغ: "في السنوات الأخيرة، ازدادت قوة وحكمة الذكاء الصناعي المُولّد، مثل تشات جي بي تي ChatGPT، حيث لم يقتصر دوره على تقديم الدعم المعلوماتي فحسب، شمل أيضًا الشعور بالأمان".
الشعور بالأمان بحسب "نظرية التعلّق" عنصر أساسي ومهم لبناء علاقات آمنة مع الآخرين. ولأنّ البشر أصبحوا يستخدمون الذكاء الصناعي للدعم العاطفي والرفقة إلى جانب حل المشكلات والتعلّم، يرى يانغ أنّ هذه العلاقة تستحق الاهتمام.
لهذا الأمر؛ طوّر الباحثون مقياسًا جديدًا للدراسة، أُطلق عليه اسم "مقياس التجارب في العلاقات بين الإنسان والذكاء الصناعي " (EHARS)، يقيس الميول المرتبطة بالتعلق بالذكاء الصناعي.
بناءً عليه؛ وجد الباحثون أنّ بعض الأفراد يلتمسون الدعم والتوجيه العاطفي من الذكاء الصناعي، على غرار تفاعلهم مع البشر. فلجأ نحو 75 بالمئة من المشاركين بالدراسة إلى الذكاء الصناعي طلبًا للنصيحة، بينما رأى نحو 39 بالمئة من المشاركين كيانًا موجودًا في حياتهم وموثوقًا به.
كما فرّقت الدراسة بين بُعدين للتعلق البشري بالذكاء الصناعي، هما القلق والتجنّب، أي أنّ بعض الأشخاص لديهم قلق كبير من التعلّق بالذكاء الصناعي، أي أنهم يخافون من التعلّق به، ويستخدمونه في الغالب من أجل الدعم النفسي والعاطفي والدردشة، وبالتالي يشعرون بالقلق من عدم تلقي ردود مُرضية ومطمئنة من الذكاء الصناعي.
النمط الآخر هو تجنّب التعلّق، وهنا يتجنّب بعض الأشخاص التعلّق بالذكاء الصناعي، ما يجعلهم غير مرتاحين من التعامل العاطفي أو القريب معه، ويستخدمونه للحصول على معلومات فقط. كما يفضّل هؤلاء الأشخاص إبقاء مسافة عاطفية كبيرة بينهم وبينه، وعدم الاعتماد عليه بأمور شخصية أو عاطفية.
تطوير ذكاء صناعي ذكي عاطفيًا
نتائج هذه الدراسة لا تعني أنّ البشر يكوّنون حاليًا تعلّقًا عاطفيًا بالذكاء الصناعي، وإنما تبيّن أنّ الأطر النفسية المُستخدمة في العلاقات الإنسانية قد تنطبق أيضًا على التفاعلات بين الإنسان والذكاء الصناعي.
هذه النتائج يمكن أن تسهم في تطوير أنظمة وأدوات الذكاء الصناعي التي تستخدم في دعم الصحة النفسية بطريقة أخلاقية تسهم فعلًا في دعم المرضى. كأن يُصمّم روبوتات الدردشة الذكية المستخدمة في تدخلات علاج الوحدة أو تطبيقات العلاج النفسي لتلائم احتياجات كافة المستخدمين.. مثلًا تُبدي أنظمة الذكاء الصناعي أو روبوتات الدردشة الذكية استجابات وردود فعل أكثر تعاطفًا واحتواءً للأشخاص الذين يعانون قلق التعلّق الشديد، أو تحافظ على مسافة عاطفية كافية مع الأشخاص الذين يميلون لتجنّب التعلّق.
تشير نتائج الدراسة أيضًا إلى ضرورة الشفافية في أنظمة الذكاء الصناعي التي تُحاكي العلاقات العاطفية، مثل التطبيقات الرومانسية أو روبوتات مُقدمي الرعاية، لمنع الإفراط في الاعتماد العاطفي أو التلاعب. كما يمكن للمطورين أو علماء النفس استخدام نموذج EHARS الذي ابتكره الباحثون لتقييم كيفية تفاعل الأشخاص مع الذكاء الاصطناعي عاطفيًا، وتعديل استراتيجية تفاعله وفقًا لذلك.
تتمثل أهمية هذه الدراسة في العلاقة المتنامية بين البشر والذكاء الصناعي بالارتباط الوثيق بيننا وبين أنظمة وتقنياته، ليس للحصول على معلومات فقط، أيضا من أجل الحصول على دعم عاطفي ونفسي منها، فقد لا يخلو هاتف أو حاسوب أي شخص من برنامج ذكاء صناعي يعتمد عليه في البحث والحصول على معلومات أو نصائح في الحياة اليومية.
في هذا الإطار، يقول الباحث المشارك فان يانغ والأستاذ أتسوشي أوشيو من كلية الآداب والفنون والعلوم: "يُسلط بحثنا الضوء على الديناميكيات النفسية الكامنة وراء هذه التفاعلات، ويُقدم أدوات لتقييم الميول العاطفية تجاه الذكاء الصناعي". مضيفيم: "أخيرًا، يُعزز فهمًا أفضل لكيفية تفاعل البشر مع التكنولوجيا على المستوى المجتمعي، ما يُساعد في توجيه السياسات وممارسات التصميم التي تُعطي الأولوية للرفاهية النفسية".
جريدة الأخبار
تعمل الشركة، في تطوير لوحة مفاتيح ثنائية أكثر تطورًا تتيح التنقل السلس بين اللغتين العربية والإنجليزية.
استخدم المطورون نموذجا من الشبكة العصبية درّب على بيانات موسومة يدويا للتعرّف إلى الحواجز.
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال