الصين.. ثورة روبوتات بشرية!

الصين.. ثورة روبوتات بشرية!

هذه الروبوتات لن تكون في المستقبل مجرد أدوات صناعية، بل جزءًا لا يتجزأ من حياة البشر اليومية.

في ضواحي مدينة شنغهاي، وتحديدًا داخل أحد المستودعات الواسعة، يتحرك عشرات الروبوتات البشرية في تناغم لافت، يؤدون مهمات كانت قبل سنوات حكرًا على البشر: طيّ القمصان، تحضير السندويشات، وفتح الأبواب. هذه الآلات تعمل 17 ساعة يوميًا، ليس فقط لأداء هذه الوظائف، بل بهدف واحد أكبر: جمع كم هائل من البيانات لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشغّلها.

تلك البيانات هي القلب النابض لشركة «أجي بوت» AgiBot الصينية التي تراهن على أن هذه الروبوتات لن تكون في المستقبل مجرد أدوات صناعية، بل جزءًا لا يتجزأ من حياة البشر اليومية، داخل المصانع والمنازل والمستشفيات. وهي الرسالة التي أكّدها أحد الشركاء في الشركة، ياو ماو تشينغ، قائلًا: «تخيلوا مستقبلًا تصنع فيه الروبوتات أنفسها داخل مصنعها الخاص».

دعم حكومي بمليارات الدولارات

لا يغرّد هذا المجال خارج سرب السياسة الرسمية الصينية، إذ تدعم السلطات هذا القطاع حيث زار رئيس البلاد، شي جين بينغ، موقع الشركة بنفسه الشهر الماضي، في إشارة واضحة إلى حجم الرهان السياسي على هذه التقنية، وعلّق مازحًا بأن الروبوتات ربما تلعب كرة القدم في المستقبل. لكن خلف هذه الدعابة، تكمن إستراتيجية متكاملة تهدف إلى تحويل الروبوتات البشرية إلى ركيزة جديدة للنمو الاقتصادي، في وقت تواجه فيه بكين تحديات هيكلية مثل تراجع عدد السكان وتباطؤ النمو والضغوط التجارية الأميركية.

خلال العام 2024 وحده، خصصت السلطات الصينية أكثر من 20 مليار دولار لدعم قطاع الروبوتات البشرية، وتستعد لإطلاق صندوق استثماري ضخم بقيمة 137 مليار دولار لدعم الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الصناعي والروبوتات. كما أظهرت مراجعة أجرتها وكالة «رويترز» لمئات الوثائق الرسمية أن الحكومة الصينية باتت واحدة من أكبر المشترين للروبوتات البشرية، إذ ارتفعت المشتريات الحكومية إلى أكثر من 30 مليون دولار في عام واحد فقط.

الذكاء الصناعي يعيد تعريف العمل اليدوي

ما يميز الروبوتات الصينية عن منافسيها في الغرب لا يقتصر على براعة الأجهزة، بل يتعداها إلى البنية البرمجية المتطورة التي تديرها. في السنوات الأخيرة، عزّزت الصين قدراتها في الذكاء الصناعي بفضل شركات محلية مثل «ديب سيك» التي طورت نماذج لغوية متقدمة، ساعدت شركات الروبوتات على تدريب «عقول» هذه الآلات.

على عكس الذكاء الصناعي التقليدي الذي يعتمد على بيانات من الإنترنت، تحتاج الروبوتات البشرية إلى بيانات خاصة تتعلق بالبيئة الفيزيائية والمهمات اليومية، مثل تحريك الأشياء وتقييم جودة المنتجات. ولهذا، أنشأت «أجي بوت» منشأة لجمع البيانات بدعم من سلطات شنغهاي، يعمل فيها أكثر من 200 مشغل لتحريك 100 روبوت يوميًا.

تسعى الصين إلى توسيع هذه المنشآت لتسريع وتيرة جمع البيانات وتحسين نماذجها، ويجري حاليًا بناء مراكز مماثلة في بكين وشنتشن. في الوقت نفسه، بدأت شركات مثل «ماجيك لاب» (MagicLab) في نشر روبوتاتها داخل خطوط الإنتاج الفعلية للقيام بمهمات مثل التفتيش والجمع والنقل.

حرب أسعار

بفضل سيطرتها على أكثر من 90% من مكونات الروبوتات، تملك الصين ميزة كبيرة في تقليص التكاليف. في الوقت الذي تصل فيه تكلفة مكونات الروبوت الأميركي «أوبتيموس» من «تيسلا» إلى نحو 60 ألف دولار، تشير تقديرات مصرف «بنك أوف أميركا» إلى أن الشركات الصينية قد تخفض كلفة التصنيع إلى أقل من 17 ألف دولار بحلول العام 2030.

في العام 2024 وحده، كشفت 31 شركة صينية عن 36 طرازًا مختلفًا من الروبوتات البشرية، مقارنة بـ8 طرازات فقط من شركات أميركية، وفقًا لتقرير صادر عن «مورغان ستانلي». بعض الشركات الصينية باشرت في الإنتاج الكمي، وأبرزها «يونيتري» (Unitree) و«يو بي تك» (UBTech)، ما يشير إلى قرب دخول هذه الآلات السوق على نطاق واسع.

تهديد للوظائف أم حل لأزمة الشيخوخة؟

رغم التفاؤل التكنولوجي، يثير الانتشار السريع للروبوتات البشرية قلقًا اجتماعيًا واضحًا، فالصين تضم أكثر من 123 مليون عامل في قطاع التصنيع، ويقدّر بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد تؤثر في 70% من وظائف هذا القطاع. في جلسة للبرلمان الصيني هذا العام، اقترح رئيس شركة «آي فلاي تك»، وهي شركة تكنولوجيا معلومات مملوكة جزئيًا للدولة الصينية، إنشاء برنامج تأمين ضد البطالة الناتجة من الذكاء الصناعي، يوفر دعمًا ماليًا للعمال المسرّحين لمدة قد تصل إلى 12 شهرًا.

في المقابل، يرى المسؤولون أن هذه التكنولوجيا قد تساعد في سد فجوة نقص العمالة في قطاعات مثل رعاية المسنّين، لا سيما مع تزايد أعداد كبار السن في البلاد. وقد كشفت شركة الخدمات المالية «آنت غروب» أخيرًا عن وحدة جديدة متخصصة في تطوير روبوتات للرعاية، فيما وضعت الحكومة خطة وطنية لتشجيع دمج الذكاء الصناعي والروبوتات في مؤسسات رعاية المسنّين.

صناعة ناشئة في مرحلة «الطفرة»

لا شك أن الصين تشهد الآن انفجارًا مبكرًا في قطاع الروبوتات البشرية، قد يقودها إلى مرحلة جديدة من التقدّم الصناعي. ومع ازدياد عدد الشركات، وتراجع التكاليف، ودعم الدولة اللامحدود، يصف بعض المحللين الوضع بأنه يشبه بدايات سوق السيارات الكهربائية قبل عقد من الزمن.

ورغم حجم التحديات والآمال في آنٍ معًا، فإن نجحت بكين في تحويل روبوتاتها من مجرد تقديم استعراضات مذهلة إلى أدوات إنتاج فعّالة، فقد تدخل مرحلة جديدة من التقدّم التكنولوجي، وتعيد رسم معالم القوى الصناعية في القرن الحادي والعشرين.