مواقفُنا تجاه العالم الرقمي متناقضةٌ جداً، إذ تُظهر كثير من الأبحاث أنَّ معظمنا يُعِدُّ الإنترنت أفضل مصدر للمعلومات واكتساب المعرفة، وأنَّ الحضور خلال الإنترنت يزيد من فرص العثور على وظيفة ويسهِّل معظم النشاطات اليومية، ولدى نحو 80% من المراهقين هوايات واهتمامات في العالم الرقمي، ويشعر 60.2% بالهدوء والسعادة عند استخدام الويب.
مع ذلك هذا ليس سوى وجه واحد من فوضى العالم الرقمي، وعلى الجانب الآخر يفيد 2 من كل 3 مستخدمين للإنترنت أنَّهم يعدُّون أنفسهم مدمنين على التكنولوجيا، ويُنفِق أكثر من نصف الأمريكيين 3-5 ساعات في استخدام أجهزتهم لأغراض شخصية فقط، بينما يقضي 43% وقتاً أطول من ذلك، ومع ذلك لم يُجرِّب 40% من الأشخاص التخلُّص من السموم الرقمية في حياتهم.
إذا كنت تشكُّ في فائدة التخلُّص من السموم الرقمية، ففكِّر في عدد المرات التي تشعر فيها بأنَّك تضيِّع وقتك عند استخدام الإنترنت، وهل تشعر بأنَّك تقضي معظم وقتك مُحدِّقاً في شاشة هاتفك وترغب في إحداث تغيير، وهل تعتمد نشاطاتك الترفيهية على التكنولوجيا الرقمية.
يُشير التخلُّص من السموم الرقمية إلى الحدِّ من استخدام التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية لتجنُّب الشعور بالإرهاق الناجم عن المعلومات والمحفِّزات الزائدة، ويساعدك ذلك على التركيز في مهامك الحالية، وتقليل مستويات التوتر وعيش حياة سعيدة دون الحاجة إلى الاتصال بالإنترنت.
التخلُّص من السموم الرقمية هو وسيلةٌ للحدِّ من التعرُّض للمحفِّزات الرقمية التي تؤدِّي إلى التعب والتهيُّج والقلق، ومشكلات في التركيز والصحة البدنية عند التعرُّض لكمٍّ كبير من تلك السموم، وللوقاية من هذه التأثيرات يشير التخلُّص من السموم الرقمية إلى الاعتدال في استخدام الأجهزة التكنولوجية مثل الهواتف الذكية (المعروفة بأنَّها تسبِّب الإدمان) وأجهزة الحواسب المحمولة وأجهزة الألعاب والأجهزة اللوحية وأجهزة التلفزيون وحتَّى الساعات الذكية، ويتطلَّب التخلُّص من السموم الرقمية الحدَّ من التعرُّض للتكنولوجيا التي تحفِّز إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يُسهم في زيادة السعادة والرضى والمتعة.
يمكن رفع مستويات الدوبامين في الدماغ عن طريق مواد ونشاطات مختلفة، فتذكَّر ما تشعر به بعد تناول وجبة شهية أو شراء شيء تحبه أو التعرُّض لأشعة الشمس أو ممارسة التمرينات الرياضية، فإذا كنت تشعر بإحساس بالسعادة أو الرضى، فهذا بفضل الدوبامين.
لا تستطيع أدمغتنا عموماً التمييز بين النشاطات المذكورة آنفاً والنشاطات الرقمية، لأنَّ الدوبامين ينطلق أيضاً عندما تلعب لعبة فيديو أو تشاهد التلفاز أو تتصفَّح مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أنَّ هذه النشاطات تبدو ممتعة وغير ضارة، فقد تتطوَّر إلى سلوك إدماني، مثل الإفراط في تناول الطعام أو إدمان التسوق أو إدمان ممارسة الرياضة.
لا يؤدي إدراك المشكلة إلى حلِّها تلقائياً، وإلَّا لكان بمقدورنا حل معظم المشكلات التي نواجهها بسهولة، فمثلاً قد تعلم أنَّ تصفُّح الهاتف الذكي في وقت متأخر من الليل يرهقك ويعكِّر مزاجك في صباح اليوم التالي، وقد تشعر بالندم والقلق بشأن ذلك، ولكنَّك تستمر في ممارسة هذا السلوك، وهنا يبرز دور التخلُّص من السموم الرقمية، ويساعدك التوقف عن استخدام الأجهزة الرقمية على تجديد نشاطك العقلي والبدني، وهذا يسمح لك بالتركيز على مهام أهم في المستقبل.
بممارسة نشاطات لا تتطلَّب استخدام التكنولوجيا، مثل التنزُّه أو القراءة أو لعب ألعاب الطاولة مع أفراد العائلة في الهواء الطلق، يسهل عليك التخلُّص من طرائق للتخلص من إي إدمان هاتفك أو حاسبك المحمول والبدء في إنشاء علاقات هادفة مع الأشخاص من حولك.
ضافة إلى ذلك يساعد التخلُّص من السموم الرقمية على تقليل مستويات التوتر والقلق، وزيادة الوعي الذاتي والإنتاجية، وتحسين عادات النوم وما أشبه ذلك، وهنا لا ننسى الفوائد المذهلة للسفر بوصفه وسيلة للتخلُّص من السموم الرقمية، فتخيَّل استكشاف أماكن جديدة دون التشتُّت المستمر بالإشعارات ووسائل التواصل الاجتماعي، فيمكنك الاستغراق في جمال البيئة المحيطة بك والاندماج مع الطبيعة وتقدير اللحظة الحالية، سواء اخترت التنزه في الطبيعة الخلابة أم تذوُّق المأكولات المحلية، فإنَّ السفر يوفِّر فرصة للهروب من العالَم الرقمي والإحساس بالعالَم بكلِّ حواسك.
المصدر: موقع النجاح الإلكتروني
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال