"تيك توك" يكتسح أميركا: عمالقة التكنولوجيا يريدون حلًّا

السّبب الحقيقي هو ميزات فاعلة يقّدمها تتفوّق على غيرها من التّطبيقات الأميركيّة

شكّل إطلاق منصّة «فايسبوك»، في العام 2004، فاتحةَ عصر «الويب» بنسخته الجديدة، «الويب نسخة 2»، حيث صارت الشبكة تتفاعل مع المستخدِمين: تحصل على بياناتهم، في مقابل سماحها لهم بصنْع المحتوى، وذلك بعدما كانت، بنسختها الأولى، أَشبه بكتاب لا يمكن تعديل محتواه. 

مذّاك، سيطرت منصّات التواصل الاجتماعي الأميركيّة على جوانب الحياة الرقميّة كافّة: الرّسائل والمكالمات عبر الإنترنت، الصّور والفيديوهات، وصولًا إلى النّصوص والمواعدة الإلكترونيّة. لكن هذه الهيمنة الرقميّة، استفاقت ذات يوم لتجد نفسها أمام مأزق اسمه «تيك توك»، وهو تطبيق صيني وصل عدد مستخدِميه الأميركيين إلى 150 مليونًا، ولمدّة 90 دقيقة يوميًّا. 

هذه الشعبيّة سرعان ما تحوّلت إلى عنصر إقلاق لإدارتَي الرئيسين "دونالد ترامب" السّابقة و"جو بايدن" الحالية، التي اندفعت إلى مطالبة شركة «بايت دانس» الصينيّة المالكة للتطبيق، الأسبوع الماضي، ببيع حصّتها في منصّة التواصل الاجتماعي، أو مواجهة الحظر. 

مطالبةٌ أثارت الكثير من التساؤلات، سواءً حول حُجج واشنطن في ما تنويه، أو علاقة شركة «ميتا» - المالكة لـ«فايسبوك»، «إنستغرام» و«واتسآب» - به، أو ما إذا كان التطبيق سيُحظر بالفعل؟

يواجه «تيك توك» ضغوطًا متزايدة من جانب إدارة الرئيس "بايدن" والمشرّعين من كلا الحزبَين «الديموقراطي» و«الجمهوري». فقد تضمّنت دعوات إلى حظْره خشيةَ وقوع بيانات المستخدِمين الأميركيين في يد الحكومة الصينيّة. 

خشيةٌ عبّرت عنها أيضًا رعايةُ مجلس النواب الأميركي لمشروع قانون يسعى إلى حظْر التطبيق على خلفية «اشتباه» دوائر الأمن القومي، بأنه يمكّن «الحزب الشيوعي الصيني» من تتبّع الأميركيين جغرافيًّا و«التلاعب بهم» سياسيًّا وثقافيًّا. 

وتسعى الإدارة الأميركيّة، في الموازاة، للإفادة من التوافق العابر لضفّتَي السّياج السّياسي، من أجل إجبار الشّركة الصينية على بيْع أصولها. ومن هنا، جاء مثول الرئيس التنفيذي لـ«تيك توك»، زي تشو، أمام الكونغرس للمرّة الأولى، حيث حاول الابتعاد عن فكرة البيع وتمرير مشروع يدعى «تكساس»، من شأنه عزل البيانات الحسّاسة للمستخدِمين الأميركيين، بشكل لا يتمكّن سوى الموظّفين في الولايات المتحّدة من الوصول إليها، وتحت إشراف مجلس تُعيّنه الحكومة الأميركيّة ضمن خطّة بقيمة 1.5 مليار دولار. 

كما يعمل «تيك توك» على خطّة مماثلة للاتحاد الأوروبي تُعرف باسم مشروع «كلوفر». والجدير ذكره، هنا، أن بيانات الأميركيين المسجَّلين على «تيك توك» هي أساسًا في خوادم شركة «أوراكل» الأميركيّة، وتلك صيغة توصّلت إليها الشّركة مع إدارة الرئيس السّابق "دونالد ترامب".
عمليًا، لا تفعل برمجيّات «تيك توك» أيّ شيء مختلف عمّا تقوم به منصّات التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل: «فايسبوك»، «تويتر»، «إنستغرام» و«يوتيوب». فما المشكلة إذًا؟ 

في تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، العام الماضي، كشفت أنّ شركة «ميتا» («فايسبوك» سابقًا)، قامت بصرف مبالغ طائلة لإحدى أكبر شركات الاستشارات المؤيّدة لـ«الحزب الجمهوري» بهدف تنظيم حملة تسعى إلى قلْب الجمهور ضدّ «تيك توك»، تضمّنت نشر مقالات رأي ورسائل إلى المحرّر في غالبية وسائل الإعلام الإخبارية الرئيسة.

هذا فضلًا عن الترويج لقصص مشكوك في نزاهتها، والدفع إلى جذْب المراسلين والسياسيين المحلّيين للمساعدة في القضاء على أكبر منافس لها، خصوصًا فئة المستخدمين الشباب. وهنا تحديدًا، مربط الفرس.

تعاني منصّة «فايسبوك» من مشكلتَين كبيرتَين: أوّلهما، انزياح الفئة الشّابة وصانعة المحتوى من منصّتها إلى «تيك توك»؛ وثانيهما، تحديث شركة «آبل» لنظام تشغيل «iOS» على هواتف «آيفون»، والذي منع كلّ منصّات التواصل الاجتماعي من تتبُّع ما يبحث عنه المستخدمون من أجل تقديمه لهم على شكل إعلانات داخل التطبيق. فعلى سبيل المثال، كان المستخدِم يبحث عبر هاتفه عن منتَج معيّن، ثمّ يتفاجأ بإعلان عنه بعد دخوله إلى «فايسبوك». 

في المقابل، تتواجد الفئات الشابة من المستخدِمين وصانعي المحتوى على «تيك توك»، إذ إن لدى هذه المنصّة نموذج عمل مختلفًا. فإلى شراء الإعلانات، يمكن الزبون أن يشتري عملات رقميّة خاصّة بالتطبيق مقابل دولارات حقيقية، ويمكن له صرف تلك العملات لدعم صانعي المحتوى. 
وبالتالي، يربح العميل المال، ويجني «تيك توك» الأرباح خارج عقليّة التتبُّع، وهو مزيج جعل التطبيق الصيني الأكثر تنزيلًا في الولايات المتّحدة. وبحسب موقع «أكسيوس» الإخباري، دفع المستخدمون الأميركيون، بين عامَي 2018 و2023، 500 مليون دولار عبر «تيك توك»، في مقابل 5.5 مليون دولار عبر «إنستغرام»، و117 مليون دولار عبر «فيسبوك». 

ويبقى أن المنافس الوحيد لـ«تيك توك»، هو «يوتيوب»، الذي دفع المستخدمون عبره 1.2 مليار دولار، فيما تتوقع «eMarketer» أن يحصّل «تيك توك» إيرادات تصل إلى 11 مليار دولار، في نهاية العام المقبل، داخل السّوق الأميركيّة.

ومن هنا، فإن واشنطن التي تريد تأمين مصالح شركاتها التكنولوجية العملاقة، لن تستسيغ مثل تلك الأرقام بأيّ حال من الأحوال، إلّا أنها وجدت نفسها مقيّدة بفعل شعبية «تيك توك». 

وفي هذا الإطار، قالت وزيرة التجارة الأميركيّة، جينا ريموندو، لـ«بلومبيرغ نيوز»، الشهر الماضي، إنّ حظْر «تيك توك» «مهما كان مغريًا من الناحية الجيوسياسيّة، إلّا أنه قرار غير شعبي محلّيًا وغير مسبوق»، مضيفةً أن مَن سيحظر التطبيق «سيخسر فعليًّا كلّ ناخب دون سن الـ35 عامًا إلى الأبد»، خصوصًا أن أكثر من 150 مليون شخص يستخدمونه في الولايات المتحدة على أساس شهري، ارتفاعًا من 100 مليون في 2020، أي - تقريبًا - نصف عدد السكّان. 

وفي النتيجة، يواجه تطبيق «تيك توك»، للمرّة الثانية، أزمة وجوديّة في الولايات المتّحدة، فيما ستكون الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة لمعرفة الشكل الذي ستنتهي إليه الأمور. وفي حال أُجبرت شركة «بايت دانس» على بيْع حصّتها، فقد يستغرق بدء تنفيذ العملية مدّة من الوقت تتراوح من أشهر إلى سنوات.

 


  تقرير  علي عواد  الجمعة / جريدة الأخبار

 


 

مواضيع مرتبطة

هل تدعم "غوغل" اللغة العربية في عمليات التحول الرقمي؟

أداة "جيمناي" في الذكاء الاصطناعي نفذت خطوات كبيرة في التكيّف مع تنوّع اللهجات المنطوقة باللغة العربية.

إنتاج روبوت صناعي إيراني بسبع درجات من الحرية

حصل هذا الروبوت على جائزة علمية؛ وليس له نموذج أجنبي مشابه.

كلمات مفتاحية

تكنولوجيا تطبيقات