نعيش في وسطٍ انقلبت فيه الأدوار والمعايير بصورةٍ لافتةٍ ومُزعِجةٍ في الكثير من الأحيان، فأصبحنا نرى مشاهد مفاجئةٍ ضمن الأسرة، كأن نجد سيطرةً غير منطقيةً من الطفل على أبويه، حيث تحوَّل الطفل من مخلوقٍ بريءٍ يتوجَّب عليه استكشاف العالم والتطوَّر والسعي ضمن كنف أبويه وتحت رعايتهما ومسؤوليتهما، إلى قائدٍ للعائلة، يفعل ما يحلو له دون ضوابط أو قواعد؛ فالقليل من الدموع كافٍ لكسر كلِّ الأنظمة والجداول اليومية الضرورية، والكثير من الصراخ كفيلٌ بأن يُوصِله إلى النتائج المرجوة؛ هكذا حتَّى تحوَّل إلى مخلوقٍ فاقد البراءة والفطرة السليمة.
أمَّا الآباء، فقد أصبحوا مجرَّد تابعين لأطفالهم، غير واعين ما تعنيه "التربية" من مهام ومسؤوليات، معتقدين أنَّهم بذلك يخلقون طفلاً مستقلاً وجريئاً ومشبَعاً، غير مُدركين أنَّ التطرُّف خاطئٌ في كلِّ شيء؛ إذ لا تنفع سياسة المنع والحرمان، ولا حتَّى سياسة ترك الأمور على سجيَّتها بلا أيِّ ضوابط. لقد أضاع هؤلاء الآباء بوصلة الوصول إلى حالة التوازن بين السياسَتين، والتي تتمثَّل بالحرية المشروطة؛ ولو سألتهم عن تبريراتهم لسياستهم تلك، فسيغدقونك بوابلٍ من الحجج الواهية التي لا تمتُّ للوعي بصلة، مثل:
"لقد حُرِمتُ كثيراً في صغري؛ لذلك لا أريد أن أحرم طفلي شيئاً"
"أنتِ تُضخِّمين الموضوع، فما المانع إن كان بحوزة طفلي هاتفٌ محمول؟ فأنا لا أريده أن يشعر بالنقص أمام أصدقائه الذين يمتلكون هواتف مميزة"
"اليوم هو عصر التكنولوجيا بامتياز، فكيف تقولين لي أن أجعل أولادي بعيدين عنها؟"
تنبثق هنا أسئلة كثيرة، منها: كيف ستكون صفات وقيم الطفل الذي سيتربَّى بهذا الشكل؟
ولماذا لا نتبنّى الحلول الوسطى في التربية، مُبتعدين عن أقصى اليمين أو أقصى الشمال؟
لذلك سنناقش في هذا المقال سلبيَّات التكنولوجيا على الأطفال، والحلول السليمة للوصول إلى أسلوب تعاملٍ منطقيٍّ ومفيدٍ معها.
عندما نسمع عباراتٍ من قبل الأبوين، مثل: "ابني وحيد؛ لذا سأُغدِق عليه الهدايا، وسأشتري له كلَّ جديد، ولن أقيِّده بأيِّ شيء"، و"دعوهم يلعبون ويمرحون، فمازالوا صغاراً؛ فلماذا القيود والقواعد الصارمة؟"، و"اليوم هو عصر المظاهر والمال، ولن أجعل ولدي يشعر أنَّه مختلفٌ في هذا العصر؛ لذلك سأشتري له أحدث هاتفٍ محمولٍ على الإطلاق".
تجعلنا هذه العبارات -وغيرها الكثير- نتأكَّد من أنَّ مفهوم التربية قد تشوَّه لدى الكثير من الأهالي. فالتربية من أعظم وأقدس المهام على وجه الأرض، ودور كلٍّ من الأمِّ والأبِ توجيه أطفالهم إلى القيم والمبادئ السليمة، وضمان نضوجهم النفسي والجسدي ضمن بيئةٍ مناسبةٍ وآمنة.
لذا، لابدَّ من تأمين الأطفال ضدَّ كلِّ شيءٍ قد يخدش قيمهم وأمانهم النفسي والاجتماعي، مثل: التكنولوجيا؛ حيث تعدُّ الأدوات الإلكترونية اليوم، من أكبر المخاطر على صحة الأطفال النفسية والجسدية والاجتماعية؛ عدا عمَّا تخلِّفه علاقاتهم الاجتماعية من آثارٍ في سلوكاتهم وشخصيَّاتهم وميولاتهم؛ يجب إذاً على الأبوين مراقبة نوعية أصدقاء أطفالهم، لضمان سلامة الوسط المتواجدين فيه، ومستوى أمانه.
من جهةٍ أخرى، يجب على الأبوين زرع قيمة المسؤوليَّة لدى طفلهم، بحيث يُبيِّنان له مخاطر أمرٍ ما وإيجابيات الابتعاد عنه، ويتركان له حرية القرار مع التأكيد على تحمُّله وحده نتيجة قراره أيَّاً كان؛ على أن يكون ذلك بحبٍّ واحتواء، كأن يقول الأب لابنه: "عذراً حبيبي، أنا معك وأريد مصلحتك دوماً، لكن عليك تحمُّل نتيجة قرارك لوحدك، فهذا ضمن مسؤوليَّتك".
يعدُّ الحوار الدائم مع الطفل من أساسيات التربية؛ لذلك حاوروا أطفالكم، وحفِّزوا لديهم مهارة الأسئلة والتحليل والاستنتاج، واشرحوا لهم لماذا عليهم الابتعاد عن أمرٍ ما بشكلٍ منطقي، لا بإسلوب الفرض والإكراه. أشبِعوا أطفالكم نفسياً، وأعطوهم الحبَّ والاهتمام والثقة والأمان، ولا تنتظروا نتائج لحظيةً منهم، واعلموا أنَّ نتائج التربية تراكمية.
تشير الدراسات إلى أنَّه لا يجوز مطلقاً تعريض الطفل البالغ من العمر 6 أشهر وحتَّى عمر 3 سنوات، إلى أيِّ جهازٍ من الأجهزة الإلكترونية؛ لأنَّها تؤثِّر في طريقة إدراك الطفل خلال مراحل النمو الأولى، فعندما يتكيَّف المخ على أنَّ بإمكانه البحث عن أيِّ أمرٍ من خلال الهاتف المحمول، فسيشعر أنَّه لن يحتاج إلى تخزين المعلومات في ذاكرته بعد الآن، الأمر الذي يُضعِف ذاكرته. لذلك، يجب الانتباه إلى هذه المرحلة العمرية؛ لأنَّ خيال الطفل وقدرته على الإبداع والقراءة والتواصل مع المحيط، تنمو خلالها.
يصنع الطفل باستخدام الأجهزة الإلكترونية عالماً خاصاً به، بحيث ينطوي على نفسه، ومن الممكن أن يُصاب بالتوحد؛ بالإضافة إلى تعرُّضه إلى صعوباتٍ في تحديد المشاعر، ومشكلاتٍ في التواصل الاجتماعي وردود الأفعال العاطفية؛ لأنَّه بعيدٌ عن التواصل الحقيقي مع الأهالي والوسط المحيط، وقريب من الشاشات الذكية فقط.
تزيد التكنولوجيا من فرصة صناعة أطفالٍ غير أسوياء، إذ تُخزَّن مشاهد العنف والإجرام الموجودة في ألعاب الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، في لاوعي الطفل على أنَّها مشاهد طبيعيَّة؛ ممَّا يؤثِّر في نموِّه النفسي. إلى جانب المواقع الإباحية، التي من المحتمل أن تعترض طريقه في أثناء تصفُّحه الإنترنت، الأمر الذي يجعله عُرضةً للأذى النفسي الكبير، ولاحتمالية الانحراف الجنسي في وقت لاحقٍ من حياته.
المصدر: موقع "النجاح نت"
الحادثة وقعت في أثناء اختبار روبوت بشري من نوع Unitree H1،
يعمل الجهاز من خلال التفاعل المباشر مع القشرة البصرية في الدماغ، ما يمنح المستخدمين إدراكا بصريا.
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال